غريب أمر رؤساء دول وصلوا إلى الحكم بمساعدة الولايات المتحدة أو بتكليف منها، واعتمدوا عليها خلال فترة حكمهم، وكونوا الثروات الطائلة فى ظل حماية عسكرية وحصانة استخباراتية، ثم نراهم يضيقون ذرعا بأى التفاتة تقوم بها واشنطن فى اتجاه معارضين لهم فى الداخل أو الخارج.
لاشك أن حميد كرزاى الرئيس العتيد لأفغانستان هو النموذج الأمثل لهذا النوع من الرؤساء. جاءت به الاستخبارات الأمريكية من باكستان على عجل، وفى واقع الأمر حرفيا إذ قيل إنه استخدم دراجة بخارية فى بعض مراحل الطريق من بشاور إلى كابول، لينفذ تكليف واشنطن له بتولى منصب الرئاسة فى أفغانستان.
يقوم كرزاى هذه الأيام برحلات متعاقبة فى دول الجوار بغية ترتيب مستقبل علاقات بلاده بزعمائها بعد رحيل الأمريكيين فى نهاية 2014. ظل خلال هذه الرحلات يشكو من أمريكا التى تستعجله فى توقيع اتفاق أمنى يسمح لجنود أمريكيين بالبقاء فى أفغانستان بعد إعلان الانسحاب الأمريكى، ويضمن لهم ألا يقفوا أمام محاكم أفغانية، ويربط بين المعونات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية فى المستقبل والسلوك السياسى لحكومة كابول.
كانت آخر شكاويه شكواه للهنود. ففى زيارته للهند قبل يومين قال إنه «لم يعد يثق فى الولايات المتحدة»، واتهم الأمريكيين بأنهم فى علاقاته بهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر. جاءت الشكوى فى أعقاب تصريح له، بالهند أيضا، قال فيه إن أحدا لن يجبره على التوقيع على اتفاقية أمنية تسمح للقوات الأمريكية بالبقاء أبعد من 2014. كان كرزاى قد تعهد بأنه سيوقع الاتفاق قبل نهاية 2013، ثم عاد وأصر على أن يجرى التوقيع بعد انتخابات الرئاسة فى أبريل المقبل. هذا التغيير فى الموقف الأفغانى أثار غضب الأمريكيين الذين طلبوا من حكومتى إسلام أباد ونيودلهى مشاركتهما فى الضغط على كرزاى ليوقع الاتفاق وإلا سحبت أمريكا قواتها قبل نهاية هذا الشهر.
اللافت للنظر أن كرزاى قضى الشهور الأخيرة ينتقد الولايات المتحدة فى محاولة لكسب رضاء الشعب الأفغانى الذى يتهمه بالعمالة لأمريكا. هو الآن يشن حملات ضد استخدام القوات الأجنبية طائرات بدون طيار التى تتسبب فى قتل المدنيين. كما أنه بدأ يتقرب من الصين ويجدد الاتصالات بإيران وروسيا. وفى الوقت نفسه يسعى لإجراء مفاوضات مع فصيل طالبانى منشق. أما الولايات المتحدة فمازالت تتفاوض مع قيادات طالبانية أخرى. أمل أمريكا أن تجد فى الطالبان الجدد بديلا لكرزاى ونظامه أو شريكا فى تحالف يحكم أفغانستان متعاونا مع واشنطن ومستعينا بقوات أمريكية مفروضة فرضا لأجل طويل.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.