The Dawn of Another of Kerry’s Promises

<--

بدأ جون كيري يُطْلق البشائر حول مولود المفاوضات الذي سيكون القابلة القانونية الأمريكية لاستيلاده من رحم التاريخ، فهو إذ يُصَرّح بأن السلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” لم يكن ذات يوم وبمعنى أدق ذات احتلال قريباً كما هو الآن، هذا على الرغم من أن العقبة الكأداء والمزمنة دون الوصول إلى سلام وهي الاستيطان لم تتزحزح قَيْد أُنملة من مكانها .

هذا إضافة إلى تَغليب الأمن على الحدود، فلأول مرة يُراد للأمن أن يكون المرجعية الوحيدة لحدود الدولة الفلسطينية وحين ترد كلمة الأمن في أي سياق كهذا فهي تعني طرفاً واحداً فقط هو “إسرائيل”، لأن أَمنْها مُقَدّس أمريكياً كما أشار إلى ذلك الرئيس أوباما مرات عدة .

القابلة سواء كانت جون كيري هذه المرة أو أي مسؤول أمريكي آخر لا تستعجل ولادة الطفل إلا إذا كانت الأم الحامل في خطر، لكن يبدو أن هناك وراء الكواليس ما نجهله، هو الذي يدفع كيري إلى هذا التفاؤل بحيث تنتهي فترة الحمل وهي فترة المفاوضات بعد تسعة أشهر من بدئها .

إذا كان الأمن هو الأولوية فإن الحدود ستكون من مطاط قابلة للتمدد أو الانحسار تبعاً لشروط الأمن، من هنا يجد الطرف الفلسطيني نفسه بانتظار نتيجة ما يشبه ورقة اليانصيب لأن عربة الأمن وُضِعت أمام حصان الحدود وأَخْضعت الجغرافيا لا للتاريخ فقط بل للميثولوجيا اليهودية، والتي ترسم تضاريس أرض الميعاد على طريقتها وعلى هواها .

ما من فُرصة أخيرة في أي مجال، خصوصاً في السياسة وحين يتم تصوير هذه الشهور التسعة أو ما تبقى منها على أنها آخر الفرص فذلك يعني ابتزاز الطرف الأضعف وإيهامه بأنه إذا فقد هذه الفرصة قد لا يظفر بمثلها مرة أخرى .

هذا الفهم ينسجم مع أطروحة نهاية التاريخ ويحاول إقناع الفلسطينيين أن القليل خير من العدم، لكن صراعاً وجودياً تجاوز القرن، وكانت خسائر الشعب الفلسطيني فيه تُعْجز أي حاسوب أمريكي لا يخضع لمثل هذا الاختزال، وهو يعني في نهاية المطاف إعدام الخيارات كلها ويستبدل مفردة السلام بالاستسلام للأمر الواقع .

بالتأكيد لدى كيري ما يُحفزه إلى مثل هذا التفاؤل . لكنه لم يفصح حتى الآن عن الأسباب الكافية لتوقّع سلام وشيك .

إن المفاوضات التي تجري بتقطع وتتخللها استقالات أو على الأقل تهديد بها تتزامن الآن مع متغيرات مثيرة وربما كانت دراماتيكية على صعيد الإقليم والعالم معاً، وكأن واشنطن تريد مع نهاية العام 2013 أن تنتهي من ملفات مؤجلة لتنشغل بملفات أخرى معظمها آسيوي .

لكن هذا التّعجل بعد تباطؤ مُمل دام أعواماً عدة، لن يكون السلام العادل والشامل الذي يبشر به الوزير كيري، اللهم إلا إذا كان قد حذف الاستيطان من المعادلة وتعامل معه كأمر واقع أو كقدر لا فكاك منه، أو إذا أقنع نفسه ثم أقنع الفلسطينيين بأن الأمن هو ما يرسم الحدود وليس العكس .

وفي الحالتين يكون السلام الذي يبشر به باقة ورد محشوة بالبارود

About this publication