Roosevelt, Eisenhower and Obama … America First

<--

خلال تقديمه قلادة الملك عبد العزيز آل سعود الى الرئيس الامريكي باراك اوباما، قال الملك عبد الله بن عبد العزيز: «اريد ان اعرب عن اطيب تمنياتي للشعب الامريكي الممثل برجل مميز يستحق ان يكون في منصبه». وهنا يبرز السؤال: من هو الرئيس الامريكي، الذي لم يكن يستحق ان يكون في منصبه؟

ان خبر وفاة الرئيس فرانكلين روزفلت «١٢/ ٤/ ١٩٤٥»، وتولي نائبه هاري ترومان منصب الرئيس، كان له وقع الصاعقة على رؤوس الجميع، الشعب الامريكي، والكونغرس والادارة، والقوات العسكرية. وبالنسبة لكثيرين، لم تكن الكارثة تتمثل فقط في موت رئيس عظيم، بل في تولي رئيس ضعيف مكانه.

عندما اصبح ترومان رئيساً للجمهورية، كان يفتقر الى الخبرة في شؤون العلاقات الدولية، وخاصة مع القوى العظمى مثل بريطانيا وروسيا. ولم تكن قد توفرت له الفرصة ليتعرف على قادة كبار من امثال تشرشل وستالين. ومع افتقاره الى الخبرة لم يكن له اعوان من الخبراء وذوي التجارب لسد هذا النقص، فكان الفارق هائلاً بين ترومان وروزفلت الذي لم يشركه في التخطيط وفي اتخاذ القرارات المهمة.

بعد ان تسلم مهماته، كان من ضمن العاملين في ادارة الرئيس ترومان اثنان من اشد اليهود حماساً في الدفاع عن المصالح اليهودية، وهما كلارك كليفورد، احد ضباط الاسطول، وديفيد نايلز مساعد ترومان لشؤون الاقليات. وكان نايلز قد عمل مع روزفلت ثم استمر في العمل مع ترومان، ويقول بأنه لمس في ترومان «تعاطفا مع اليهود» لم يلمسه لدى روزفلت. وفي مناسبة اخرى، قال نايلز: «لو بقي روزفلت على قيد الحياة لما سارت الامور «لصالح اليهود» بالشكل الذي سارت عليه».

كان الرئيس فرانكلين روزفلت قد عبر في عدة مناسبات لوزير ماليته اليهودي هنري مورجنتاو عن عدم رغبته في معاداة العرب الجدد. وعندما طلب عمنويل سيلر عضو الكونغرس من الرئيس روزفلت ان يوفر له الفرصة للتحدث الى كل من ستالين وتشرتشل عن مطالب اليهود في مؤتمر يالطا، لم يعده الرئيس بشيء. وقال روزفلت: «لا اود ان ارى حربا تقع بين مليون او مليوني يهودي في فلسطين وسبعين مليون مسلم».

ابدى الرئيس روزفلت الملاحظة نفسها، في شهر كانون الاول ١٩٤٥، قبل ان يغادر بلاده الى يالطا، الى السناتور روبرت واغنر، والى الحاخام ستيفين وايز والوفد الصهيوني المرافق لهما، حيث تساءل الرئيس روزفلت مستنكرا :«كيف تستطيع ارض فقيرة مثل فلسطين ان تستوعب حقيقة هذا العدد الكبير من المهاجرين اليهود؟» وتساءل كيف يستطيع اليهود التأكيد للعرب بأنهم لن يمدوا سيطرتهم على الاقطار العربية المجاورة. ولقد اعترت الحاخام ستيفن وايز الرجفة وهو يستمع الى هذه الملاحظات من الرئيس روزفلت لاول مرة.

اما هاري ترومان، فكانت انذارات جيمس فورستال وزير الدفاع الاميركي المكثفة والمتلاحقة التي تؤكد على اهمية النفط العربي تضغط على اعصابه ولكن دون جدوى. ولكن فورستال ادرك في النهاية، على حد قوله :«انه لا فائدة ترجى من رئيس يتطلع الى الحصول على مكاسب سياسية بأسلوب دنيء». اما المكاسب السياسية التي عناها فورستال فهي سعي ترومان لكسب الانتخابات الرئاسية بمساندة القوى اليهودية داخل امريكا، واما الاسلوب الدنيء فهو المقامرة بمصالح امريكا والغرب النفطية، في اجواء مواجهة كانت على وشك الوقوع في اوروبا بين الغرب والاتحاد السوفياتي.

حتى لا يتحول حديث السياسة الاميركية الى قصص وحكايات او الى سفسطة سياسية كتلك التي طغت على وجه الصحف وشاشات التلفزة في ديار العرب في اعقاب خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما في جامعة القاهرة يوم الخميس ٤/ ٦/ ٢٠٠٩، نريد ان نتحرك على قواعد ثابتة، فإن من اهم مفاتيح السيطرة الاميركية السياسية والاقتصادية في العالم هو تأمين امدادات النفط لها ولحلفائها من منطقة الشرق الاوسط بالكميات المطلوبة والاسعار المناسبة.

وقد بدأت هذه المهمة بشكل واضح وثابت في اعقاب الحرب العالمية الثانية، ومن هذه البوابة سوف نعود الى حديث السياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط.

اما العوامل التي تؤثر في هذه السياسية فهي العامل الداخلي ومن اهم محركاته القوة اليهودية المنظمة داخل المجتمع الاميركي، والعامل العربي والمرتبط باحوالهم في بلادهم ومدى ترابطهم ببعضهم البعض، والعامل الاخير هو المنافسة الدولية التي ضعفت الى حدّ كبير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي اخذت مكانه من تسميهم امريكا بالدول المارقة.

اذا اخذنا العامل الداخلي الاميركي وتأثيره على السياسة الخارجية في منطقة الشرق الاوسط، نجد هذا التأثير يتذبذب صعودا وهبوطا بحسب قوة وضعف الرئيس الذي يشغل البيت الابيض او المرشح لشغل هذا المنصب، فان الرئيس روزفلت اصبح بطلا قوميا بسبب قيادته لأمريكا خلال الحرب العالمية الثانية. ولانقاذها قبل ذلك من الكساد، لذلك لم يكن يأبه بتأثير القوة اليهودية.

وفي السياق نفسه، كان الجنرال آيزنهاور، الذي قاد جيوش الحلفاء الى النصر على المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، بطلا قوميا امريكيا. لذلك لم يأبه لاصوات اليهود الانتخابية عندما استشاط غضبا لاعتباره حرب السويس (١٩٥٦) مؤامرة بين بريطانيا وفرنسا واسرائيل تمت من وراء ظهره، لذلك عمد الى الغاء آثارها، الذي كان من ضمنه اجبار بن غوريون على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة، ومع ذلك فاز في الانتخابات لدورة ثانية.

في الجانب المقابل، فإن المرشح الضعيف هاري ترومان اقتطع الجزء الاكبر من فلسطين لليهود لاقامة اسرائيل، مقابل الفوز في الانتخابات لدورة ثانية. والرئيس جورج دبليو بوش، دمر العراق ودمر معه الاقتصاد الاميركي وسمعة امريكا في العالم، مقابل الفوز في الانتخابات لدورة ثانية.

واليوم لا نريد ان نؤكد ما هو ليس في حاجة الى التأكيد، وهو ان باراك حسين اوباما رئيس الولايات المتحدة الاميركية الذي اقسم على الدفاع عنها وحماية مصالحها، ونحن نكمل بأن اوباما لن يفعل ما لم يفعله بعض القادة العرب والفلسطينيين. وان اوباما لن يصبح بعد بطلا قوميا امريكيا مما يمكنه من الدخول في مواجهة حاسمة مع القوى اليهودية في المجتمع الاميركي.

ولكن باراك اوباما، كما يبدو من مقارباته السياسية، انه رئيس اميركي واعد وبارع في حدود الفرص المتاحة له. واعد لانه بدأ خلافه مع حكام اسرائيل في دورة حكمه الاولى. وبارع لانه يتحدى يهود امريكا حول مصلحة الولايات المتحدة الامريكية في خياري الحرب والسلام.

اما الاحوال فيما بيننا كعرب وعرب، وكفلسطينيين وفلسطينيين، فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

About this publication