ربما كانت محطة هيئة الإذاعة البريطانية الناطقة بالعربية، الصدى الإعلامي الأكثر وضوحاً في انحيازه للإخوان المسلمين في تغطياتها للأحداث الجارية في مصر والمرتبطة بخروج الإخوان من السلطة على النحو الذي قررته ملايين الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران ،2013 إلا أنها بالقطع ليست الوحيدة المنحازة في تناولاتها للحدث المصري وتواتراته التي أملتها التطورات اللاحقة لثورة 30 يونيو ومنها وأبرزها خريطة الطريق التي رسمتها القوى السياسية والاجتماعية الجديدة الصاعدة .
فمن يتابع معظم الواجهات الإعلامية الأمريكية والأوروبية، المرئية والمسموعة والمقروءة، سيلاحظ من دون عناء التقصي، ذات التوجه المنحاز للإخوان ذاته، والحرص المستمر على عرض مواقفهم ووجهات نظرهم وتقديمهم في صورة ضحايا لمجريات أحداث ما بعد 30 يونيو 2013 .
إحدى محطات التلفزة الأمريكية اليمينية المتطرفة، نظمت بصورة مثيرة للارتياب، رحلة “خاصة” لإحدى مراسلاتها الأمريكيات، ومن دون الكشف عن هويتها، إلى شبه جزيرة سيناء، حيث أُتيح لها الوصول للحاضنات البيئية الاجتماعية للإرهابيين التي بدت للمشاهد في الفيلم التسجيلي كأنه يشاهد أحد معاقل طالبان والقاعدة في قندهار، وتم ترتيب لقاءات بينها وبين بعض قادة جماعة القاعدة الملثمين الذين أعلنوا الحرب على الدولة المصرية وعلى قواتها المسلحة .
وقد بدت تعليقات المراسلة، المواكبة للكاميرا وتنقلاتها بين صفوف الإرهابيين وبيئتهم الحاضنة، منحازة بشكل صارخ وسافر للإرهابيين وضد الدولة المصرية وجيشها الذي قام بأكبر عملية إنقاذ في التاريخ لشعب بثقل الشعب المصري، من السقوط في براثن قوى بالغة الخطورة على الأمن القومي المصري وعلى مستقبل التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمصر .
وتناغماً مع هذه التغطيات العوراء، فقد أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي تقريراً قبل أيام جاء فيه “إن البلاد لا تزال تحت حكم العسكر، وإن القمع الذي تمارسه السلطات ضد أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، لن يجلب الاستقرار للبلاد” . ليذهب المجلس المذكور في تحريضه إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي بتغيير سياساته تجاه مصر .
وحتى شركات خدمة الإنترنت الأمريكية مثل شركة “ياهو”، منخرطة هي الأخرى في الفزعة الغربية المريبة للإخوان . فموقع “ياهو” على سبيل المثال لا ينفك يفرد بين اليوم والآخر مساحة لتغطية أفعال الإخوان، واتهام القوات المسلحة المصرية بأنها قادت انقلاباً عسكرياً على الرئيس المنتخب محمد مرسي .
وهنالك أمثلة أخرى تدلل على تحيز أجهزة الميديا الغربية، الناطقة منها باللغتين الأم والعربية، وهو ما يعيد إلى الأذهان المواقف الغربية الأولية والحقيقية، من جماعة الإخوان المسلمين ورهان الأمريكيين والأوروبيين عليها، في إعادة تشكيل الخريطة السياسية – وبناءً عليها الخريطة الجيوسياسية – للمنطقة .
هذه المواقف الإعلامية والسياسية التآزرية الباغية على ما هو ظاهر للعيان وواضح للآذان، شد أزر الإخوان وتحريضهم على الاستمرار في تحركاتهم ضد خريطة طريق إعادة إنهاض مصر – ما يعني استمرار المراهنة عليهم كحصان طروادة لإنفاذ التشكيل الجيوسياسي الجديد للمنطقة، هذه المواقف ستذكرنا بحملة المتطرف اليميني الجمهوري جون ماكين التي نظمها بعيد ثورة 30 يونيو، التي استهدفت إعادة الإخوان إلى السلطة بأي شكل، ومرابطة وفد الاتحاد الأوروبي برئاسة مفوضية السياسة الخارجية كاثرين آشتون في القاهرة وإصرارها على مقابلة الرئيس المعزول .
إن ذلكم التدافع الأمريكي الأوروبي، الدبلوماسي والسياسي المحموم، على مصر لمحاولة إعادة الإخوان إلى المشهد أولاً، ومن بعد محاولة ابتزاز القيادات المصرية الجديدة بغية تأمين مواقعها الامتيازية داخل مصر، يؤكد أن الغرب ظل “وفياً” لسياساته بعدم السماح لمصر بأن تكون قوية وعزيزة ومستقلة . فهو لم يتردد في شن الحرب عليها في عام 1956 بسبب تجرؤها على تأميم جزء من الأصول البريطانية والفرنسية في قناة السويس لتحويل القناة إلى أحد الأصول السيادية المصرية . هو يريدها أن تكون تابعة وضعيفة تعتاش على صدقاته .
وهذا يدفعنا للقول إن الغرب لن يترك مصر تتعافى وتعيد بناء طاقاتها وقدراتها لتعود دولة قوية مستقلة مركزية في الإقليم الشرق أوسطي وفي القارة الإفريقية كما أراد لها أن تكون زعيمها الراحل جمال عبدالناصر . وبهذا المعنى فإن مصر هي اليوم بأمس الحاجة للدعم والمساندة من قبل كل أشقائها العرب لتمكينها من استعادة عافيتها وإعادة بناء نفسها لتكون لهم السند المتين في مواجهة الأخطار والتحديات المحدقة بالعالم العربي التي تعيد إلى الأذهان فترة التكالب الغربي عليها في القرن التاسع عشر .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.