About the Myth of the Conflict between Cairo and Washington

<--

عن أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن

فهمي هويدي

من الأساطير التي يروج لها البعض في وسائل الإعلام أن ثمة صراعاً بين القاهرة وواشنطن وأن الأخيرة تحيك المؤامرات ضد النظام القائم في مصر.

(1)

يوم «27 يناير» الماضي أصدرت وزارة الدفاع الأميركية بياناً ذكرت فيه أن اتصالاً هاتفياً تم بين وزير الدفاع تشاك هيغل وبين المشير عبدالفتاح السيسي، تناول ثلاثة أمور، هي: الوضع بعد الاستفتاء على الدستور الجديد وتظاهرات ذكرى «25 يناير» التي تخللها بعض أعمال العنف، والخطوات القادمة في العملية الانتقالية، أضاف البيان ان الوزير الأميركي قدم للمشير السيسي العزاء في ضحايا العمليات الإرهابية وعرض مساعدة بلاده للإدارة المصرية في مواجهتها للإرهابيين.

هذا الاتصال لم يكن الأول من نوعه كما أنه ليس الأخير، ولكنه يحمل الرقم 34 في الحوارات المستمرة بين الوزيرين منذ شهر تموز الماضي، والتي باتت تتم بمعدل مرة كل أسبوع تقريباً، ومن قراءة البيانات التي تعلنها وزارة الدفاع الأميركية نلاحظ أن الموضوع الأساسي في تلك الاتصالات هو تطورات الوضع السياسي الداخلي في مصر، الأمر الذي ينفي الأخبار التي تروج لها وسائل الإعلام المصرية، التي تتحدث عن تآمر أميركي على مصر، ذلك أنه من غير المعقول ان تستمر الاتصالات وتنتظم على ذلك النحو في حين تمضى الإدارة الأميركية في تآمرها على النظام الذي يتصدر المشير السيسي مقدمته.

إزاء ذلك فإنني أزعم أن العلاقة المصرية الأميركية أعمق وأكثر تعقيداً مما تصوره وسائل الإعلام المصرية، التي كثيراً ما تعمد إلى اختزال المشهد وخلط أوراقه لأسباب متعلقة بحسابات الاستهلاك الداخلي.

(2)

احتفظ بمقالة نشرتها مجلة تايم الأميركية (في 18/8/2013) عنوانها «مصر لم تعد مهمة»، وفيها نقل كاتبها بوبي جوش عن جنرال أميركي رفيع المستوى قوله، إن مصر كانت بلداً مهماً في الستينيات والسبعينيات لكنها لم تعد كذلك الآن، إذ كانت وقتذاك نقطة ارتكاز العالم العربي وأهم بلد فيه من دون جدال. إلى جانب أنها كانت تشكل تهديداً لإسرائيل. إلا أن الشرق الأوسط تغير بعد ذلك، لكن مصر لم تتغير، حيث تراجع أداؤها السياسي والثقافي. وكانت نتيجة ذلك أن فائدة مصر بالنسبة للولايات المتحدة كمحاور عن العالم العربي تقلصت كثيراً. إضافة إلى أنها لم تعد تمثل تهديداً جديداً لإسرائيل.

هذا الكلام صدر بعد إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في النصف الثاني من العام 2011 عن التزام بلاده إستراتيجية «المحور الآسيوي»، التي في ظلها تركز الولايات المتحدة على التحديات والتهديدات التى تمثلها الصين بمؤشرات نموها المتصاعدة، التي ترشحها لأن تصبح القوة الاقتصادية العظمى في العالم بحلول العام 2017.

في خلفية الكلام يكمن أيضاً تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في نهاية عام 2012، الذي توقع اقتراب الولايات المتحدة من بلوغ الاكتفاء الذاتي النفطي في العام 2030. وذلك الاكتفاء يمهد لتراجع أهمية الشرق الأوسط في سلم أولويات الإستراتيجية الأميركية. إلا أن فكرة استغناء الولايات المتحدة عن نفط الشرق الأوسط والتركيز على المحور الآسيوي ليست محسومة تماماً في التفكير الأميركي. حتى ان «فورين بوليسي» تحدثت عن «ذبولها»، بعدما تبين أن التكلفة الباهظة للنفط غير التقليدي قد تقوض فرص إحلاله محل نفط الخليج، يؤيد ذلك أن وزارة الدفاع الأميركية تبنت إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط أعادته إلى بؤرة الاهتمام إلى جانب المحور الآسيوي.

هذا الاتجاه الأميركي الأخير صوب تعزيز الاحتياطات الأمنية في المنطقة يبدو تحسباً لاحتمالات انطلاق شرارات العنف والتطرف في الشرق الأوسط وفي مصر بوجه أخص. على الأقل فذلك ما عبرت عنه مقالة نشرتها نيويورك تايمز في 6/1/2014 لاثنين من الخبراء الأميركيين البارزين، هما: دانيال بنجامين مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في الخارجية الأميركية. وستيفين سيمون مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط السابق بمجلس الأمن القومي الأميركي. وهما يذكران أن الحرب المعلنة في مصر ضد «الإخوان» الذين نبذوا العنف منذ سبعينيات القرن الماضي تنذر بتجدد العنف في المنطقة وانتشاره في أقطارها، الأمر الذي من شأنه أن يستهدف المصالح الغربية والأميركية ويقوض أمن إسرائيل.

(3)

في تحرير العلاقات المصرية الأميركية التي تنسج من حولها العديد من الأساطير والأوهام، سأعرض خلاصة لشهادات لثلاثة من الخبراء المصريين الذين ضاع صوتهم وسط المزايدات والهرج السائد في الساحة الإعلامية المصرية. الثلاثة هم السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأميركية، والدكتورة منار الشوربجي أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في الشأن الأميركي، والسيد محمد المنشاوي مراسل جريدة «الشروق» في واشنطن. في شهاداتهم أوردوا المعلومات التالية:

÷ في الاستراتيجية الأميركية هناك خطان أحمران يحكمان علاقات واشنطن بالقاهرة. أولهما التعاون العسكري الذي يعد الحجر الأساس للتصورات الأمنية الأميركية في علاقاتها بأحد أهم إقاليم العالم. وفى ظل التعاون تتمتع الولايات المتحدة بوضع خاص على مستويات ثلاثة، هي: المرور في قناة السويس ــ استخدام المجال الجوى المصري ــ التعاون الاستخباري. والمعونات التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر هي بمثابة إسهام من جانبها في استقرار أوضاعها بما يسمح بالحفاظ على استمرار المصالح سابقة الذكر. الخط الأحمر الثاني الذي تحدث عنه الرئيس أوباما صراحة يتمثل بالتزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل. وفى حديثه عن هذه المسألة قال إن أي اهتزاز لمعاهدة السلام يضع أمن إسرائيل بل أمن الولايات المتحدة على المحك.

÷ من هذه الزاوية يعدّ التعاون والتسهيلات العسكرية ومعاهدة السلام من الأصول التي لا تحتمل الاختلاف أو الاجتهاد في علاقات البلدين في ظل موازين القوة الراهنة، وكل ما عدا ذلك يعدّ فروعاً قابلة للاختلاف والاجتهاد، بما في ذلك من يحكم مصر أو السياسات الداخلية التي يتبعها الطرف الحاكم. بكلام آخر فإن استحقاقات الأصول في علاقات البلدين تعد من التكاليف الضرورية، أما ما عدا ذلك فهي أمور تحتمل التناصح فضلا عنها تظل من الأمور التحسينية إذا استخدمنا لغة الأصوليين.

÷ في الأمور الفرعية والتحسينية تلتزم الولايات المتحدة بقوانينها وحساباتها السياسية ويهمها استقرار الأوضاع في مصر، بصرف النظر عمن يحكمها.

÷ ليس صحيحاً أن الإدارة الأميركية انحازت للدكتور محمد مرسي أو تعاطفت مع حكم «الإخوان». وكل ما قيل في هذا الصدد هو مجرد خيالات من صنع أصحابها (العبارة للزميل محمد المنشاوي في مقال له بتاريخ 1/7/2013). بل إن الإدارة الأميركية لم تبدِ أي ترحيب بفكرة اجتماع الدكتور مرسي مع الرئيس الأميركي، الذي لم يحرص على لقائه حين زار نيويورك في أيلول 2012 لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمرة الوحيدة التي كال فيها أوباما المديح للدكتور مرسي كانت بعد نجاح الأخير في تحقيق وقف إطلاق النار بعد الاعتداء الإسرائيلي على غزة في شهر تشرين الثاني عام 2012.

÷ إقدام واشنطن على تقليص المساعدات أو تأجيل تسليم الطائرات للجيش المصري لم يكن موقفاً مناهضاً لنظام «الثالث من يوليو» بقدر ما كان تطبيقاً للقانون الأميركي الذي يقضي بحظر تقديم المساعدات لأي دولة تتم الإطاحة برأسها المنتخب من خلال الانقلاب العسكري، وقد جاملت واشنطن النظام الجديد حين ترددت في اعتباره انقلاباً عسكرياً. وانتظرت ثلاثة أشهر، لكي تنفذ قانونها الخاص بقطع المعونة. ثم سعت لتعديل القانون من خلال الكونغرس للاستمرار في إرسال المساعدات للدول الحليفة. وهذا ما حدث مع دول أخرى مثل باكستان وشيلي وهندوراس. (د. منار الشوربجي ــ المصري اليوم 23/1/2014).

(4)

أدري أن ثمة خلافات بين مصر والولايات المتحدة في الوقت الراهن، لكنها تظل في حدود الأمور التحسينية والفروع وليس الأصول المتمثلة في جوهر التحالف الإستراتيجي. إلا أنه يحلو للبعض من المتحمسين والمهرجين السياسيين أن يصوروا الأمر بحسبانه تحدياً من جانب مصر للإدارة الأميركية يستعيدون به في الأذهان نموذج المرحلة الناصرية ورمزها التاريخي. وهم في ذلك ينسون أن معركة عبدالناصر انصبت على الأصول وليس الفروع. حيث كان رافضاً للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من الأساس، وهو ما تورطت فيه مصر في عهد السادات ثم مبارك ولا يزال يكبل مصر إلى الآن.

إن ما بين القاهرة وواشنطن الآن ليس معركة حقيقية، وإنما هو مجرد خلاف في الفروع يتم في إطار التحالف الإستراتيجي بين البلدين، والادّعاء بغير ذلك يعد تروجياً لأسطورة تخدع الجماهير وتدغدغ مشاعرها.

About this publication