تحوّلات مهمة جرت فى واشنطن طوال الأسابيع الأخيرة، كانت محصلتها وضع لوبى إسرائيل تحت الأضواء التى لا يحبها، وتعريضه لانتقادات غير مسبوقة فى طبيعتها ونطاقها.
بدأت القصة بالموقف الإسرائيلى الرافض للاتفاق المؤقت الذى عقدته الولايات المتحدة ودول أخرى مع إيران، وهو الرفض الذى تبنته كبرى منظمات لوبى إسرائيل، أى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة اختصاراً باسم «إيباك»، وهى المسجلة رسمياً كلوبى الدفاع عن إسرائيل. وفى الوقت الذى تستعد فيه الإدارة لبدء المفاوضات مع طهران، كما نص الاتفاق، كتبت «إيباك»- مع أنصارها بالكونجرس- مشروع قانون يفرض المزيد من العقوبات على إيران ودفعته بقوة داخل أروقة مجلسى النواب والشيوخ، وقد استطاعت «إيباك» استقطاب 16 عضواً ديمقراطياً ليصطفوا مع الجمهوريين بمجلس الشيوخ ضد الرئيس الديمقراطى مما ضمن أغلبية مريحة لمرور المشروع، فشهدت الساحة الأمريكية هجوماً على إيباك.
فقد أثار التحرك غضب البيت الأبيض، فاستخدم مجلس الأمن القومى لغة قوية قائلاً إن على الذين يؤيدون مشروع القانون «أن يصارحوا الشعب الأمريكى بأن ما يريدونه هو الحرب» تخوضها أمريكا ضد إيران.
وإذا كان مفهوماً أن يغضب البيت الأبيض فإن الأكثر دلالة هو أن يأتى الغضب علنياً من مصادر أخرى رسمية وغير رسمية لم تعرف أبداً إلا بمناصرتها لإسرائيل. فالسيناتور دايان فاينستين من أكثر أعضاء الكونجرس دعماً لإسرائيل، إلا أنها ألقت خطاباً أمام مجلس الشيوخ قالت فيه: «بينما أتفهم قلق إسرائيل إلا أننا لا يمكن أن نجعل إسرائيل تحدد متى وأين تدخل أمريكا حرباً. ومشروع القانون (الذى وقفت وراءه إيباك) ينص على إلزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل لو هى هاجمت إيران». أما الإعلامى اللامع جون ستيورات الذى يستخدم السخرية أساساً للنقد السياسى والاجتماعى، فقال بسخريته المعروفة إن «أعضاء الكونجرس عن ولاية إسرائيل يرفضون دبلوماسية أوباما». والحقيقة أن اللغة المستخدمة فى كلا التصريحين لغة قوية للغاية وغريبة تماماً على التيار الرئيسى فى السياسة والإعلام الأمريكى ولا تستخدم أبداً فيما يتعلق بإسرائيل. فلأول مرة، تسمع من التيار الرئيسى كلاماً صريحاً عن تباين فى المصالح بين أمريكا وإسرائيل، وتلميحاً بأن إسرائيل تدفع أمريكا دفعاً نحو خوض حرب نيابة عنها.
ولوبى إسرائيل، كما تقول كل الدراسات، يفضل العمل من وراء ستار، ولا يريد أن يعرف الكثيرون ماذا يفعل، وهو ما قاله حتى من عملوا به فى السابق. لذلك، فإن تسليط الأضواء على دور «إيباك» تحول سلبى بالنسبة للوبى، فرضه موقف المنظمة من المفاوضات مع إيران. فالنيويورك تايمز، مثلاً، قالت صراحة إن وراء موقف أعضاء الكونجرس حسابات سياسية فى عام انتخابى بعد أن «صعّدت إيباك من ضغوطها».
ورغم أن «إيباك» تراجعت قليلاً فى الوقت الراهن عن الدفع بمشروع القانون بل دعت للإبطاء فى تمريره، إلا أنه يبدو تراجعاً تكتيكياً، لا يغير فى كل الأحوال من التحولات الجارية بشأن لوبى إسرائيل فى واشنطن. ولعل أهم ما فى تلك التحولات أنها لم تحدث على مستوى صنع القرار وإنما على مستوى المجتمع السياسى والمدنى. وفى السياسة الأمريكية فإن هذا المستوى هو الذى يؤسس لصنع السياسة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.