Washington Wearing a Humanitarian Mask Once Again

<--

واشنطن مرة أخرى بقناع إنساني..!

شؤون سياسية

الاثنين 24-2-2014

 عبد الحليم سعود

تحت ستار من الدوافع الإنسانية الكاذبة والحرص المزعوم على حياة المدنيين تسعى الولايات المتحدة الأميركية عبر بعض حلفائها وأدواتها في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار جديد خاص بسورية

يمكنها من استغلال وكالات الأمم المتحدة من أجل الولوج إلى بعض المناطق السورية الساخنة لإنقاذ عصاباتها الإرهابية المسلحة من الحصار المطبق عليها ومن ثم تزويدها بعوامل القوة والبقاء لاستثمار ممارساتها الإرهابية في مسلسل التفاوض الطويل سواء في جنيف أم في أي مكان آخر.‏

فمشروع القرار الذي قدمته استراليا لمجلس الأمن ودعمته كل من واشنطن ولندن وباريس ـ كما هو مخطط له ـ يدعو من حيث ديباجته الملغومة إلى شجب الإرهاب بجميع أشكاله، وينص على اللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات أخرى في حال عدم التطبيق، ويدعو جميع الأطراف إلى رفع فوري للحصار عن المناطق السكنية ، كما يدعو أيضاً إلى وقف جميع الهجمات على المدنيين، وفتح ممر إنساني عاجل وآمن لا تحفه العوائق لوكالات الأمم المتحدة وشركائها..!!‏

في الشكل وفي المضمون لا تصلح الجهة التي تقدم السلاح الفتاك والتدريب والخبرة الميدانية والمعلومات الاستخبارية للمجموعات الإرهابية كحمامة سلام أو كهيئة إنسانية تقدم المساعدات، ومن حيث المبدأ يصعب على الولايات المتحدة الأميركية التي لها تاريخ طويل من المآسي والحروب ضد الأمم والشعوب الأخرى أن تقوم بعمل إنساني صرف ما لم يكن وراءه ما وراءه، وفي الأزمة المفتعلة ضد سورية شكلت واشنطن ومازالت الطرف الأكثر تورطاً وتدخلاً بالشأن السوري بحيث لايمكن الوثوق بنواياها أو توجهاتها حتى وإن انطوت أحياناً على بعض الجوانب الإنسانية، إذ ليس هناك دولة مستقلة أو ذات سيادة في العالم تقبل أن يدخل إلى أراضيها شحنات غذائية أو مساعدات إنسانية دون معرفتها أو إشرافها، فمن يتشدق بنيته ورغبته بتقديم السلاح لمن يحارب الدولة السورية لا يمكن الوثوق به وإن حاول التباكي على المدنيين ولبس قناع الإنسانية كما تفعل واشنطن وحلفاؤها..!‏

فالمساعدات الإنسانية للسوريين يجب أن تدخل عبر مؤسسات ومعابر الدولة السورية الرسمية وإلا عدّت تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية وانتهاكاً لسيادتها واستقلالها، وهناك اتفاق وتفاهم قائم بين الحكومة السورية ووكالات الأمم المتحدة حول إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة أو المتضررة جراء إرهاب الجماعات المسلحة يجري تطبيقه والالتزام به من قبل الحكومة السورية باعتراف هذه الوكالات وإذا كانت ثمة ملاحظات أو عوائق أو خروقات فمصدرها الجماعات الإرهابية التي تعتبر نفسها متضررة من أي اتفاق يكرس السيادة السورية ويسحب الذرائع من أيدي هذه العصابات التي تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية لحمايتها وأداة لاستجلاب المؤن والمساعدات والتمويل والسلاح من الجهات الداعمة.‏

فروسيا الواعية لألاعيب السياسة الغربية وتحايلها على القانون الدولي والإنساني رأت في مشروع القرار الجديد محاولة لدعم الإرهاب بغطاء إنساني ، وبالتأكيد لم يأت اتهام عميد الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف للسياسة الأميركية في سورية بأنها تشجع تمويل المنظمات الإرهابية ومدّها بالسلاح من فراغ ، فقد سبق لواشنطن أن استغلت قراراً إنسانياً في ليبيا وهاجمتها وأسقطت نظامها بقوة السلاح وحولتها إلى دولة سلاح ومليشيات وبقية القصة معروفة.‏

إذاً الحرص الأميركي على المدنيين هو حرص كاذب يخفي خلفه الكثير من الدوافع الشريرة التي تتوسل تغيير الواقع الميداني لصالح الجماعات التكفيرية والإرهابية التي يتعالج جرحاها في مستشفيات الكيان الصهيوني الحليف الأقرب لواشنطن، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل يتعاطى الكيان الصهيوني مع هؤلاء الإرهابيين من باب الشفقة والإنسانية التي لا يملك أي نصيب منها أم من باب مصالحه القائمة على إضعاف سورية وضرب دورها المقاوم في وجه طموحاته الاستعمارية والتوسعية..؟!‏

فلو كانت الولايات المتحدة الأميركية صادقة فعلاً في توجهاتها «الإنسانية» الجديدة لقدمت مساعداتها بشكل مباشر للنازحين السوريين في دول الجوار ومعظمها في دائرة حلفاء وأدوات واشنطن سواء تركيا أم الأردن وليس هناك من يمنعها، وليست بحاجة إلى قرار من مجلس الأمن رغم أنهم يعيشون ظروفاً أصعب بكثير من تلك التي يعيشها نازحو الداخل ممن تتكفل الدولة السورية بإيوائهم ومساعدتهم على تجاوز أوضاعهم الصعبة، ولكن اهتمام واشنطن منصب فقط على مساعدة عملائها في الداخل لأنهم رهانها المتبقي على زعزعة الأوضاع في سورية خدمة لأجنداتها العدوانية.‏

إن أغرب ما يشوب قضية المساعدات الانسانية وأشده إيلاماً أن الدعم والمال والسلاح الأميركي والغربي يقدم فقط للجهات والأطراف التي تهجّر السوريين وترغمهم على ترك بيوتهم ومدنهم وقراهم عبر قذائف الهاون والصواريخ والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والانتحاريين، وكأن المطلوب حقيقة هو خلق مأساة سورية تنسي العالم مأساة الفلسطينيين مع النزوح واللجوء وتريح إسرائيل والدول الغربية من تبعاتها وتداعياتها..‏

About this publication