Ms. Faith and Mr. Obama

<--

السيدة إيمان والسيد أوباما!

لعلها مفارقة مزعجة أن يتحول الرئيس الأميركي باراك أوباما، من رجل احتفى به الشارع العربي عندما أصبح رئيسا، ثم تظهر سيدة تسمى إيمان، من أواسط السيدات المصريات، لتنتقده بقولها المشهور (سيسي يس يس.. مرسي نو نو) إلى آخر الكلام، الذي وصل شريطه إلى الصفحة الأولى من «نيويورك تايمز»، وقد شاهدت صورة لشريط السيدة يعرض على التلفزيون والسيد أوباما يستمع إليها في البيت الأبيض! تلك المفارقة الكاريكاتيرية تحمل شعور جانب واسع في الشارع العربي بالإحباط، كما تعكس نفورا شعبيا – ربما انطباعيا – مبنيا على أفكار خاطئة ولكنها منتشرة، ترى أن (الولايات المتحدة قادرة على فعل كل شيء تقريبا) من الإطاحة بالرؤساء إلى تنصيب آخرين! شعور الناس نابع من قصور في الاستجابة الأميركية، على الأقل من حيث الفهم، للمشكلات العميقة التي تواجه المنطقة.

السيد باراك أوباما سيكون في المنطقة آخر هذا الشهر، والملفات التي سوف تكون محل نظر في الرياض كثيرة ومحملة بالكثير من القضايا الساخنة. وقد تكاثرت التحليلات القادمة من الولايات المتحدة أو أوروبا ومن الجانب العربي، على ما يمكن أن يناقش في الرياض من أولويات، أولا مع المسؤولين السعوديين، وثانيا مع قادة مجلس التعاون، أو من ينوب عنهم، كما رشح من المعلومات حتى الآن. البعض يذهب إلى القول إنه لقاء حاسم، وآخرون ينظرون إليه على أنه تجديد التحالف بمعطيات جديدة، إلا أن معرفة خريطة الطريق القادمة تتوقف أمام خمس محطات إشكالية:

أولا: أن الولايات المتحدة – مع ما تملكه من إمكانات – ليست بالضرورة متيقنة من الحقائق في الشرق الأوسط، فهي كدولة، قد لا يتوافر لأجهزتها أو لا ترغب نخبتها، أن ترى الحقائق على الأرض، ولديّ للتدليل شاهدان؛ الأول قادم من عام 1978 في زيارة مشهورة للسيد جيمي كارتر، قال وقتها في طهران إنه يشرب نخب (واحة الاستقرار في الشرق الأوسط)! وبعدها بأشهر، تبين أنه كان جالسا على فوهة بركان، ولكنه ولا أجهزته رغبت في الاعتراف بذلك، وإلا لكان قد غير من نبرة كلماته على الأقل، والثاني تصريح السيد بوش الابن عام 2004 الذي قال عن تركيا (المثال الإسلامي الجيد)! في محاولة لتسويق الأمثولة التركية، ونحن نعرف الآن أنها أمثولة، تحمل ما تحمله السياسة من تدليس ومناورة. ما يمكن أن نعرفه على وجه يكاد يكون يقينيا، أن إدارة أوباما تنقصها المعلومات شبه الدقيقة عن تحولات الشرق الأوسط.

ثانيا: بسبب ذلك القصور، فإن الإدارة الأميركية الحالية تقيس نتائج تجربة إدارة سابقة في كل من أفغانستان والعراق، وهي تجربة فاشلة من جوانب كثيرة، حيث فشلت في تحقيق الأهداف المرادة، فهناك (سندروم) يتملك الإدارات الأميركية بعد كل فشل (سياسي، عسكري) كما هو السندروم الذي أصابها بعد حرب فيتنام، فأصبحت ترى أن أي مشكلة يجب حلها بالدبلوماسية حتى لو أدت إلى خسارة المصالح، ونسي المخططون أن الدبلوماسية من غير أسنان لا تستطيع أن تحقق الأهداف المرجوة! فأصبح التدخل النشط يعني في قاموس الإدارة الحالية (المغامرات العسكرية)، والتراجع عن الالتزامات يعني (إعادة تموضع)! تغيير في المفاهيم لإقناع النفس.

ثالثا: يصل أوباما إلى المنطقة وأمامه ديناميات متغيرة، أولاها الموقف الإيراني، الذي تقف أمامه الإدارة الأميركية مرتبكة وتحاول تسويق ما أصبح يسمى (الدبلوماسية الإكراهية) دون النظر إلى أن القيادة الإيرانية العليا هي متخذة القرار الحقيقي، ولم تكن سخية مع محمد خاتمي في وسط التسعينات عندما حاول الانفتاح فيما عرف بحوار الحضارات، وليس من المؤكد أن يكون المرشد اليوم سخيا مع حسن روحاني، للوصول إلى حلول نهائية للمشكلات العالقة، فالقيادة العليا الإيرانية وبعض مناصريها من المتشددين، موقنون بأن أي انفتاح سوف يقود في وقت ما إلى خسارة هذا النوع من الحكم، لأنه ببساطة خارج قوانين العصر. الحكم في إيران يراهن على الإدارة الأوبامية في التراجع (الوافر) أمام المطالب الإيرانية، التي تتجاوز الفكرة الضيقة (الملف النووي) إلى الشهية التوسعية، من العراق حتى لبنان مرورا بعدد من المواقع في الخاصرة العربية، هذا التوسع يؤرق الجانب العربي، والذريعة التي يمكن أن يقدمها السيد أوباما في زيارته الخليجية، أن السماح الزمني سوف ينتهي في شهر يونيو (حزيران) المقبل للوصول إلى اتفاق، وأن الإدارة الأميركية سوف تشدد بعد ذلك! يمكن أن تدركه الإدارة الإيرانية التي تجيد المناورة حتى آخر شهر من العهد الأوبامي، بعدها لكل حادث حديث! والديناميات المتغيرة سيجدها أوباما أيضا في الصف الخليجي الذي نأمل ألا يتبعثر، وهو أمرٌ صانعو الاستراتيجية الأميركية طويلة المدى يتخوفون من نتائجه، خاصة على مستوى وضع استراتيجية دفاعية، لها معنى في الإقليم. عندما تحين مواجهة التوسع الإيراني، وهو حقيقي، ستكون الولايات المتحدة قد فقدت كثيرا من الأوراق، قد يكون من بينها ثقة حلفائها.

رابعا: ملفان ساخنان، كل له أولوياته؛ الأول هو سوريا، والثاني هو مصر، يشتركان من المنظور الأميركي، كما كتب أنتوني كروسمان في ورقة أخيرة مطولة حول العلاقات الأميركية – السعودية والتأثيرات المحيطة، يشتركان في احتمال أن يستهلكا أكثر من نصف عقد من الزمن! ويختلفان في التفاصيل. في الملف السوري، لا يبدو – من الجانب الخليجي – أن موقف الإدارة الأميركية من الملف (عقلاني) أو يعتمد على استراتيجية واضحة، غير التبرير، كما قال أوباما نفسه (توريط إيران وتقليل قوة سوريا، وتوريط حزب الله)! ذاك تبرير سلبي للغاية، الموقف من سوريا ينسجم مع مجمل التحوط والتردد الذي اتبعته الإدارة في أكثر من ملف، وقد ورطها هذا التحوط في كل من أوكرانيا، وفي سوريا قبلها، في الوقت نفسه الذي يعاني الشعب السوري أهوالا تقترب من الهولوكوست (الإبادة الكاملة لشعب كامل).

في الموضوع المصري، أرى أن كل ما يقال عن مساندة أميركية للإطاحة بحسني مبارك أو تمكين مرسي، على المستوى العملي، أمر مبالغ فيه، إنما هنا يأتي الاستخدام السلبي للقوة الأميركية الناعمة، التي بترددها ومن ثم موقفها المتراجع لما حدث في مصر بعد 30 يونيو 2013 أشاعت جوا من الشكوك، وكل ما استندت إليه دبلوماسيتها في هذا التردد قائم على ذريعة نتائج (صندوق الانتخاب)، ذلك التبرير سقط كثمرة يانعة أمام موقفها من تطورات أوكرانيا، هناك رئيس جاء (بالصندوق) ووقفت الولايات المتحدة وحلفاؤها مع الإطاحة به، بل إن (الصندوق) استخدمه فلاديمير بوتين في شبه جزيرة القرم! كما أن (الصندوق) يتهيأ لاستخدامه بشار الأسد! فالصناديق ليست أهدافا بحد ذاتها.

خامسا: الاختلاف في وجهات النظر بين الحلفاء قد يقع، إلا أن الإصرار على أجندة يجب اتباعها، من وجهة نظر واحدة، هو الخطأ، فالخليج الذي سوف يأتي إليه السيد أوباما يقع اليوم في مكان تتكاثر حوله التحديات: من الشمال، حلف إيراني، عراقي، سوري، ومن الجنوب تدخل إيراني، والخليج الذي دفع حتى الآن 85 بليون دولار في شراء أسلحة أميركية، يرغب في أن يعرف الحلفاء أن استمرار تزويد العالم بالطاقة، يحتاج إلى استقرار، وأن صراعا محتدما في الجوار يهدد المنطقة بأسرها، فلا يجوز الاحتجاج بقضايا جانبية لتجاوز القضايا الاستراتيجية. صحيح أن الإرهاب ومحاربته يجب أن يستمرا، ولكن لا يجوز حرف المفاهيم، كما يحدث الآن، في الملف الأوكراني من قبل روسيا، كلما تحدث أحد عن الحرية، قيل له إنهم (فاشيت)! وكلما تحدث أحد عن مصائب عظمى تقع على الشعب السوري، قيل إن هناك بضعة آلاف من الإرهابيين!

سادسا: زيارة أوباما إلى المنطقة تحتاج إلى (تعشيق جديد) من التحالف، وإعادة زيارة للمصالح المشتركة، يتوجب أن يقوم الشركاء مجتمعين بالتفاهم حولها، ووضع أولويات للوصول إلى أهداف تقلل من المخاطر وتزيد فرص السلام، لا الانتقاء منها والتراجع الموسوم بالتردد عن بعضها، كما تحتاج الدبلوماسية الأميركية إصلاح الخلل الذي غاصت فيه بعيدا عن التصدي للمشاكل الملحة في الشرق الأوسط، والتحالف مع القوة الروسية في إيجاد حلول سياسية، وقد ثبت أنها صديق لا يمكن الركون إليه. إن خطر استمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ليس بسبب عدم استعمال القوة، ولكن ناتج جزئيا من ضبابية الموقف الدبلوماسي الأميركي الذي أصبح منتقدا حتى في الداخل.

آخر الكلام:

يقول الحكماء، إن (ابنك ينظر إلى سلوكك، أكثر مما يستمع إلى نصائحك)!

About this publication