لا تلبث الإدارة الأمريكية تتحفنا بكل جديد في “ألف باء” السياسة الخارجية من خلال المواقف المتتالية والمتناقضة والملتبسة من قضايا المنطقة العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولا تنفك تخرج بصياغات حمّالة أوجه عندما يتعلق الأمر بسيدتها وحليفتها في المنطقة “إسرائيل”، درءاً لأي إمكانية لاستقراء أي تغيّر مهما كان طفيفاً في سياستها .
الخارجية الأمريكية سارعت إلى الاعتذار ضمناً بصيغة التوضيح، عما قاله وزيرها جون كيري أمام مجلس النواب، لدى إطلاعه إياه في جلسة استماع على تطورات الجهود في ملف التسوية، وما نقل من تحميله الكيان مسؤولية الانسداد الذي وصلت إليه العملية، وقالت إن الوزير قصد تحميل الطرفين المسؤولية، ولم يقصد تحميل المسؤولية ل”إسرائيل،” أو “الدخول في لعبة تحميل المسؤوليات”، بل أكد اتخاذ طرفي المفاوضات خطوات غير مجدية، وقالت الناطقة باسم وزارته جنيفر بساكي إنه “على العكس فقد أثنى على موقف رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو وعلى الخطوات المهمة لإنجاح المفاوضات طوال الفترة الماضية” .
شكراً للتوضيح أيتها الناطقة، كونه أثبت مجدداً أن الإدارة الأمريكية لا ولن تتورع عن “تحمل مسؤولية أخطائها”، أو أنها مستعدة “للاعتراف” بها على الملأ، ولا ترى في ذلك غضاضة، ولا انتقاصاً من شأنها كقوة عظمى، هذا إن تناسينا إصرارها على تدمير العراق باسم إعماره، وتحويل أفغانستان إلى ساحة حرب ومقر للإرهاب العالمي باسم “تحريرها”، وغير ذلك من الملفات والصراعات العالمية التي أقحمت نفسها فيها على مدى العقود الماضية تحت شعارات تتناقض تماماً مع حقيقة أهدافها ومطامعها .
الأكيد أنه ليس منتظراً من قوة عالمية ارتهنت لمصالح غيرها وجعلتها “مسألة أمن قومي”، أن تكون متوازنة في التعاطي مع أي من قضايا العالم، وأنه ليس متوقعاً منها أن تحدث تغييراً مهما كان صغيراً، أو تحاول إيجاد خط رجعة إذا ما أقرت بتماديها في شأن معين، ولذلك ليس مستغرباً هذا الاعتذار لكيان الاحتلال والضم والتوسع العنصري، وليس مستهجناً أن تجعل ناطقة من وزير أضحوكة، أو إنساناً عاجزاً عن التعبير، مع العلم أن دوائر وزارتها هي من تضع له نص الإحاطة التي يقدمها للنواب .
الأوساط “الإسرائيلية” لم تعلق على الأمر، لكنها رأت في التصريحات مؤشراً على تراجع الاهتمام الأمريكي بمسار التسوية، وهذا لا يعني إلا أمراً وحيداً، مفاده أن الكيان يستعد لمزيد من السياسات والجرائم، وتثبيت الوقائع بذريعة “إفشال” الطرف الفلسطيني جهود التسوية، وتحت مظلة عدم حسم واشنطن في تعاطيها مع الأمر، وعدم وضوحها فيما يخص مسؤولية الاحتلال الكاملة عن إفشال جهودها .
على أي حال لم يبق أي مؤشر، أو حتى بارقة أمل، على تغير الوضع الراهن، مهما حاولت الإدارة الأمريكية تسويق أوهام السلام الذي لا تسعى إليه بقدر ما تستخدمه في تثبيت أركان الاحتلال ودعم سياساته، والتغطية على جرائمه اليومية بحق الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، وهذا ما بات مكشوفاً تماماً على الصعيد الفلسطيني، لكن المنتظر وضع استراتيجية مواجهة واضحة إزاءه .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.