American Deterrence: A Cold War Scenario

<--

علنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في 28 نيسان الجاري عن فرض مزيد من العقوبات على روسيا بهدف إرغامها على التراجع عن سياستها تجاه أوكرانيا. وشملت العقوبات الأميركية الجديدة سبع شخصيات روسية مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، و17 شركة روسية مرتبطة بأشخاص من هذه القائمة. ومن بين الأشخاص الذين أُضيفت أسماؤهم إلى «القائمة السوداء» الأميركية نائب رئيس الوزراء دميتري كوزاك، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي أليكسي بوشكوف، ورئيس شركة «روستكنولوجيا» سيرغي تشيميزوف، ورئيس شركة «روسنفط» إيغور سيتشين. ومن بين الأشخاص الذين شملتهم «القائمة السوداء» الأوروبية رئيس أركان الجيش الروسي فاليري غيراسموف، ومدير جهاز المخابرات العسكرية إيغور سيرغون.

وترى بعض الدوائر الروسية أن واشنطن تتصرف بشكل أكثر جذرية من بروكسل فيما يخص العقوبات على موسكو، حيث فرضت الإدارة الأميركية كذلك قيوداً على تصدير المنتجات التكنولوجية المتقدمة مزدوجة الاستخدام إلى روسيا. بجانب ذلك، تتسرب معلومات عبر وسائل الإعلام الروسية تفيد بأن سياسة الرئيس أوباما تكمن في نهاية المطاف في إرغام الأوروبيين على الخروج من سوق المنتجات التكنولوجية الروسية والتخلي عن استيراد الغاز منها. ولكن هذا غير منطقي في المستقبل المنظور، لأن ست دول من الاتحاد الأوروبي، على الأقل، تعتمد بشكل تام على استيراد الغاز من روسيا، بينما ترتبط باقي دول الاتحاد بنسبة لا تقل عن 50 في المئة باستيراد الغاز الروسي.

وفي انتظار الرد الروسي على العقوبات الأميركية والأوروبية، يمكن ملاحظة زيادة الحشود العسكرية حول أوكرانيا. فقد حركت رومانيا قطعاً عسكرية نحو حدودها الشرقية عبر العاصمة بوخاريست باتجاه مدينة «كونستانتسا» الواقعة على البحر الاسود، لإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة. وكانت كل من لاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وأستونيا قد طلبت من حلف «الناتو» والولايات المتحدة تعزيز وجودهما العسكري على اراضيها على خلفية الأزمة الأوكرانية. ومنذ بدء الأزمة الأوكرانية بدأت طائرات الاستطلاع المتمركزة في قاعدة حلف «الناتو» بألمانيا القيام بتحليقات يومية فوق جنوب رومانيا للتجسس على جنوب اوكرانيا ومولدافيا والقرم. ويُذكر أنه في بداية العام الجاري نقل «حلف شمال الاطلسي» رسمياً المهمات العسكرية لمركز النقل التابع للبنتاغون في المطار القرغيزي «ماناس» الى القاعدة الجوية الرومانية «ميخائيل كوغيلنيتشانو»، حيث ستساهم بنقل الشحنات والعسكريين في اطار العملية العسكرية بأفغانستان. كما طلبت السلطات الرومانية من واشنطن نشر سرب مقاتلات اميركية على الاراضي الرومانية حتى العام 2017. وتبدو رومانيا وكأنها تستعد لإدخال قواتها الى مقاطعتي أوديسا وتشيرنوفيتسك الأوكرانيتين

في حال باتت الدولة الاوكرانية غير قادرة على الحفاظ على النظام العام في هذه المناطق، التي يسكنها بعض الرومانيين.

وفي إطار هذه التحركات العسكرية، كشفت الأقمار الاصطناعية الروسية عن حشد أعداد كبيرة من الجنود الأوكرانيين والمعدات العسكرية في محيط مدينة سلافيانسك، وعن حشود عسكرية أوكرانية لنحو 15 ألف جندي وأكثر من 400 آلية عسكرية مدعومة بالمدفعية وراجمات الصواريخ بالقرب من الحدود مع روسيا، وذلك في ظل وجود نحو أربعين ألفا من العسكريين الروس بالقرب من الحدود الأوكرانية. ويمكن الربط بين التحركات الأوكرانية العسكرية وتقدم سفن عسكرية أميركية وأطلسية إلى البحر الأسود. ويلفت النظر أيضا ما ذكرته صحيفة «إزفيستيا» الروسية من أن منظمتي «فري زون» الجورجية وحزب الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سكاشفيلي «الاتحاد الوطني الحر» تعملان على تجنيد متطوعين ومرتزقة يتم نقلهم إلى أوكرانيا بهدف دعم الحملة العسكرية ضد الناطقين بالروسية في الأقاليم الأوكرانية المطالبة بالفدرالية. وتشير «إزفيستيا» إلى أن خبراء روس يعبّرون عن مخاوفهم من تحول المشهد الأوكراني إلى شيء مماثل لما تشهده سوريا، حيث يتدفق المسلحون الأجانب للمشاركة في القتال. هذا مع الأخذ في الحسبان أن منظمة «القطاع اليميني» القومية الأوكرانية المتطرفة لم تُسلم أسلحتها، وأن المحتجين في جنوب شرق أوكرانيا باتوا أيضاً يحملون السلاح.

وإذا تتبعنا بدقة السياسة الأميركية تجاه روسيا في الأزمة الأوكرانية، سنجد تشابهاً كبيراً مع ما كان يسمى بـ«سياسة الردع» التي اتبعتها واشنطن تجاه الاتحاد السوفياتي السابق، بالرغم من تفكك الدولة السوفياتية قبل ثلاثة وعشرين عاماً. إن جوهر وأهداف «سياسة الردع» الأميركية تجاه موسكو «الشيوعية» عُرضت لأول مرة في العام 1947، أي في بداية «الحرب الباردة» عملياً. وبُنيت على أساس النظر للاتحاد السوفياتي كخصم على الساحة الدولية، وعلى ضرورة التعامل معه عبر خطط طويلة الأجل لردع ميوله التوسعية. وانعكست هذه السياسة في «مذهب ترومان» لعام 1947، وفي إنشاء «حلف شمال الأطلسي» في العام 1949. كما تضمنت استخدام الحصار الاقتصادي ضد الاتحاد السوفياتي وإقامة شبكة من القواعد العسكرية حوله. وهذا يُشبه إلى حد كبير ما تقوم به واشنطن اليوم مع موسكو «الرأسمالية»، حيث تتوالى العقوبات الاقتصادية في موجات وجرعات معينة، وحيث يتوسع الوجود العسكري الأميركي والأطلسي حول روسيا.

في العشرين من نيسان الجاري ذكرت وسائل إعلام أميركية أن البيت الأبيض يخطط لعزل روسيا اقتصادياً وسياسياً في غضون العامين القادمين. وإذا صدقت هذه الخطة الأميركية، فقد يعني ذلك أن أهداف واشنطن تخرج عن إطار النزاع في أوكرانيا عبر صياغة سياسة طويلة الأمد في التعامل مع روسيا. وهذه السياسة، برأينا، تمثل «سيناريو مُحدث» لإستراتيجية الحرب الباردة، وتحديداً لسياسة «الردع». ويتردد أن الرئيس أوباما قد توصل مؤخراً إلى استنتاج مفاده أنه حتى لو تم العثور على حل للأزمة الأوكرانية، فلن تكون لديه علاقات «بناءه» مع الرئيس بوتين. ويبدو أن واشنطن خلال العامين القادمين ستمارس المزيد من الضغط على موسكو وخلق حالة تشبه أجواء الحرب حول روسيا في الساحة الأوربية ـ الآسيوية، «أوروآسيا»، وهي حالة قد تضغط على أوروبا لتتراجع تدريجياً عن التعاون الوثيق مع الاتحاد الروسي. وفي هذا السياق قد يلعب تسريع نشر الدرع الصاروخية الأميركية ـ الأطلسية في أوروبا الشرقية دوراً هاماً في سياسة الردع الأميركية المُحدثة. ولكن هذه الخطط الأميركية ستتوقف على مدى الرد الروسي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وعلى الولايات المتحدة نفسها التي تبدو وكأنها تتراجع عن «الزعامة» العالمية.

About this publication