The Results of American Non-Intervention

<--

يقدّم كينيث وولتز وراي تاكيه، وهما باحثان أميركيان متخصصان بالشرق الأوسط، كشف حساب مدهشا لسياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما في المنطقة. فالرئيس أوباما ينطلق من اعتبارات أهمها أنّه ربما تم استثمار الكثير من القوة العسكرية والسياسية، وأكثر مما هو ضروري أو مطلوب، من قبل الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، من قبل أسلافه، وخصوصاً جورج بوش الابن؛ وأنّ العائد من الاهتمام بآسيا سيكون أكبر.

قلّص أوباما من الدور الأميركي في المنطقة، وهو ما رأيناه فعلا في الخروج من العراق، ورأيناه في سورية. فرغم موقف حلفاء الولايات المتحدة العرب الرئيسيين، مثل السعودية الراغبة في تدخل في الأحداث، ورغم دعوات أحد أبرز رموز الإسلام السياسي الشيخ يوسف القرضاوي، لواشنطن صراحة للتدخل بشكل أكبر في سورية، يرفض الأميركيون ذلك. وبعد خمس سنوات من تقليص الدور الأميركي في المنطقة، فإنّه بحسب مقال “فورين أفيرز”، لم تتضرر المصالح الأميركية في المنطقة، وفي مقدمة ذلك أسعار النفط التي استقرت، على عكس عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، وأصبح العراق ثاني أكبر الدول المنتجة للنفط في منظمة “أوبك”. كما أنّه لا يوجد حتى الآن هجوم إرهابي كبير ضد الأميركيين، سواء داخل منطقة الشرق الأوسط أو في الولايات المتحدة، أو أي مكان. ولا يعاني حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخصوصاً إسرائيل، من تحديات حقيقية.

ويتفق هذا التحليل مع النظرية الواقعية في العلاقات الدولية. فبموجب هذه النظرية، لا تكترث الولايات المتحدة بما يحصل في داخل الدول المختلفة، طالما أن مصالحها مصونة. وهذا عكس نظرية إدارة جورج بوش الابن المثالية التي تريد التدخل في كل شيء.

لكن لا يتفق كاتبا المقال المشار إليه مع نظرية أوباما كليّاً. فهما يريان أنّ هذا الهدوء النسبي على صعيد المصالح الأميركية قد لا يستمر، لأسباب منها أنّ سورية واليمن وليبيا تشهد مشكلات قد تحولها إلى حاضنة للإرهاب والإرهابيين المعادين للولايات المتحدة؛ ولأن سعر النفط قد لا يستمر مستقرا لو توتر الوضع في العراق. كما أنّ هناك اوضاعا معقدة في دول اخرى. ويطالب الكاتبان بدرجة من التدخل، لا تصل حد “العسكرة” التي قام بها بوش الابن. ويستغربان، مثلا، بقاء النظام السوري مستفيدا من الدعم الإيراني، ومن أسلحة روسية، ومن مقاتلي حزب الله، من دون دعم كافٍ للمعارضة السورية.

في تحليل الكاتبين نقاط مثيرة للاهتمام، ولكنّ هناك نقاطا تحتاج تعمّقا أكبر. فمثلا، يُغيّب الكاتبان إلى حد كبير خطر عدم التوصل لعملية تسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما أنّ فكرة أنّ دولا وحكومات عربية صديقة وحليفة للولايات المتحدة لم تعد تعتمد على الأخيرة، بسبب عزوفها عن التدخل، ربما يصبح له تبعات مستقبلية مهمة.

في الواقع، وعلى عكس توقعات الكاتبين، يمكن أن يحدث سيناريو استمرار الصراع الداخلي في المنطقة، وبقاء المصالح الأميركية بخير. فمثلا، إذا لم يتم القضاء على قوى الإرهاب، فإنها ستنشغل في تعزيز قدراتها في بلدان مثل سورية والعراق واليمن من دون الالتفات للخارج. هذا على عكس أفغانستان، حيث كانت مستقرة وغير منشغلة، فذهبت للخارج، وإلى واشنطن ونيويورك. ولكن اضطرار حكومات مثل السعودية والإمارات وغيرهما لحل مشكلات الإقليم التي تمسها أو تخشى أن تمسها، بجهود وخطط ذاتية، هو ما قد يرتد على تقليص أهمية الوجود الأميركي لهذه الدول.

إلى ذلك، يقدّم عدم التدخل الأميركي في المنطقة، أو ربما بكلمات أدق تقليص التدخل، تحديا للكثيرين، حتى على المستوى الفلسفي والسياسي؛ فالجميع يريد شماعة التدخل الأميركي. الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، أراد أن يبرر الثورات ضده بتدخل أميركي؛ والإخوان المسلمون الذين طالما تحدثوا عن المؤامرة الغربية، وجدوا أنفسهم في وضع لا يتدخل فيه الأميركيون حقا في شؤونهم، بل يجرون معهم حوارات، ويبدون أقرب لانتقاد خصوم الإخوان في المنطقة.

السؤال الذي يحتاج إلى تعمق: كيف يجب أن تعيد القوى المختلفة حساباتها استنادا للرؤية الأميركية القائمة؟ ثم، هل ستستمر هذه السياسة بعد أوباما؟

About this publication