Why Barzani Cannot Be Blamed

<--

كلّ ما يحصل حاليا في العراق يبدو نتيجة منطقية لتراكمات عمرها عشرات السنين، أي منذ قيام الدولة العراقية نتيجة انهيار الإمبراطورية العثمانية، ثمّ الانقلاب الدموي على النظام الملكي في مثل هذه الأيّام من عام 1958. كان النظام الملكي الذي انتهى بطريقة مأساوية محاولة جدّية للجمع بين العراقيين، بين الطوائف والمذاهب والقوميات، في ظل دولة تحافظ على النسيج الاجتماعي للبلد إلى حد كبير.

في ضوء ما مرّ به العراق منذ قيامه، بات من الطبيعي اليوم، قبل غد، أن يطرح مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان موضوع قيام دولة كردية مستقلّة. ما يبدو طبيعيا، أكثر، اعتراض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على طرح البارزاني، نظرا إلى أن المالكي لم يأت بجديد إلى العراق. ربّما كان الجديد الوحيد الذي أتى به المالكي هو الرغبة في إقامة نظام شمولي ذي طابع مذهبي، هذه المرّة. من النتائج المباشرة لذلك، تغييب الشراكة الوطنية بشكل نهائي والقضاء على ما بقي من وشائج تجمع بين العراقيين في إطار دولة حديثة يحكمها القانون ولا شيء آخر غير القانون.

ما ليس طبيعيا اعتراض الإدارة الأميركية على طرح رئيس إقليم كردستان الذي وافق عام 2002 على ركوب قطار الحرب الهادفة إلى إسقاط النظام العائلي- البعثي لصدّام حسين استنادا إلى شروط معيّنة.

كانت في مقدّمة هذه الشروط إقامة نظام حكم ديمقراطي في العراق، وليس نظاما مستنسخا عن النظام الإيراني. بكلام أوضح كان الاتفاق بين مكوّنات المعارضة العراقية التي عقدت سلسلة اجتماعات ومؤتمرات قبل تنفيذ العملية العسكرية الأميركية، بمشاركة إيرانية، على قيام دولة مدنية في العراق بديلا من ديكتاتورية صدّام والحزب الواحد.

بعد إحدى عشرة سنة على التغيير الكبير الذي حصل في العراق، اكتشف الأكراد أنّ العراق لا يزال مكانه. حلّ حزب «الدعوة» المذهبي مكان حزب البعث الذي هو ظاهرا حزب علماني. لم يدخل الأكراد الحرب، ثمّ العملية السياسية التي تلتها من أجل أن يصبحوا مجددا ضحايا الجالس على كرسي الحكم في بغداد. كان واضحا أن هدفهم كان يتمثّل، منذ البداية، في الوصول إلى صيغة تسمح لهم بأن يكونوا شركاء في السلطة، لا مجرد تابعين للمالكي الذي أصبح مع الوقت تابعا لإيران.

من هذا المنطلق، يتبيّن أنّ الاعتراض الأميركي على خطوة مسعود البارزاني ليس في محلّه. ما لابدّ من التذكير به أن بارزاني اقتنع بالانضمام إلى المعارضة والمشاركة في اجتماعاتها بعد حصوله على ضمانات أميركية معيّنة أخلّ بها المالكي. بكلام أوضح، مشكلة الأميركيين هي، في نهاية المطاف، مع رئيس الوزراء العراقي الذي لم يعرف التعاطي مع كلّ مكوّنات المجتمع العراقي، وليست في أي شكل مع مسعود البارزاني والأكراد.

كان في الإمكان استغلال الوقت، الذي طال ما يزيد على عشر سنوات، لحلّ المشاكل العالقة بين بغداد، بصفتها المركز، من جهة، والأكراد من جهة أخرى. كان هناك مجال لذلك لو قام في بغداد نظام ديمقراطي في أساسه قبول فكرة التداول السلمي للسلطة، بدل احتكار حزب مذهبي لها. وهذا يعني بطبيعة الحال أن يحترم القيمون على النظام في الوقت ذاته أن يكون العراق دولة «فيديرالية». وهذا ما نصّ عليه الاتفاق الذي توصّلت إليه أطراف المعارضة في مؤتمر لندن الذي انعقد في ديسمبر 2002 برعاية أميركية- إيرانية، والذي شارك فيه مسعود البارزاني.

اكتشف الزعيم الكردي بعد سقوط صدّام حسين ونظامه أنّ المالكي لا يريد أن يرى في نص الاتفاق، الذي توصّلت إليه المعارضة، سوى عبارة واحدة هي «الأكثرية الشيعية في العراق». إنّها العبارة التي أصرّ عليها الجانب الإيراني، كي يسمح لمجموعات معيّنة بينها “المجلس الأعلى” بالمشاركة في مؤتمر لندن.

استغلّ الجانب الكردي الثورة التي قامت في المناطق ذات الأكثرية السنّية في العراق ليضع يده على كركوك. في الواقع، حسّن مواقعه في المدينة المتنازع عليها. انطلق من سقوط الموصل وخروجها من تحت سيطرة قوات المالكي ليطرح فكرة الاستقلال الكردي.

ما كان مسعود البارزاني سيُقْدم على مثل هذه الخطوة لو لم يفقد الأمل نهائيا في المالكي الذي بات، في حدّ ذاته، سببا كافيا لتفتيت العراق وتمزيق ما بقي من النسيج الاجتماعي فيه تحت راية «دولة القانون»، التي هي أبعد ما تكون عن مفهومي الدولة والقانون.

لا يحقّ للإدارة الأميركية لوم مسعود البارزاني بأي شكل. فالرجل كان أوّل من دعا، وذلك قبل سقوط نظام صدّام حسين، إلى تفادي الانتقام. دعا إلى التسامح على العكس من المالكي الذي لم تكن تحرّكه سوى غريزة الانتقام من منطلق مذهبي بحت. لم يعدم صدّام حسين لأسباب عراقية. أعدم لأسباب محض مذهبية مرتبطة بحزب «الدعوة» وبقضية تخصّ الحزب، هي قضية الدجيل حيث تعرّض الديكتاتور العراقي الراحل لمحاولة اغتيال مطلع الثمانينات في بداية الحرب الطويلة بين العراق وإيران.

ما يرفض الأميركيون الاعتراف به هو أن فشل المالكي في جمع العراقيين تحت مظلّة واحدة هو فشل لواشنطن قبل أيّ شيء آخر. إنّه فشل يتحمّل الأميركيون مسؤوليته أوّلا وأخيرا.

فلو تُرك الأمر للأكراد لكانوا فضّلوا أن يكونوا جزءا من العراق الموحّد يستفيدون من خيراته مثلهم مثل بقية العراقيين. ولكن ما العمل عندما تنعدم المساواة بين المواطنين، وحين تصبح المواطنة درجات في ظلّ نظام يُصنّف بين أكثر الأنظمة فسادا على وجه الكرة الأرضية.

في مثل هذه الحال، هل لدى الإدارة الأميركية، التي تصرّ بدورها على التخلّص من نوري المالكي، ما يسمح لها بإعطاء دروس ونصائح لأحد، بما في ذلك الأكراد؟

ما نشهده حاليا نتيجة أكثر من طبيعية لسنوات من الممارسات الطائفية والمذهبية توّجها المالكي بالانضمام إلى الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه من منطلق طائفي. ما الذي ينتظره الأكراد في مثل هذه الحال؟ أليست انتهازيتهم مبرّرة بعد كلّ الذي عانوه طوال قرن، بما في ذلك تناسي الذين توصّلوا إلى اتفاق سايكس بيكو في العام 1916 أنّهم شعب من شعوب المنطقة وأنّه يحقّ لهم ما يحقّ لغيرهم؟

إعلامي لبناني

About this publication