”أول دروس الديمقراطية التي لقنها الأميركيون للشعب العراقي كان إهانة منصب الحاكم وإذلاله .. وكلنا لا ينسى مشهد قيام الجنود الأميركيين بإخراج الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من مخبئه تحت الأرض ثم محاكمته وتعمد إعدامه في الوقت الذي يذبح فيه المسلمون أضحيتهم في مشهد شديد البلاغة.”
حدثان مزقا الجسد العربي وكان لهما الأثر الأكبر في تردي الأوضاع في المنطقة العربية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن من تقاتل وتناحر ليقتل بعضنا البعض في مشهد أعاد إلى أذهاننا عصر الجاهلية .. الحدث الأول كان الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م والثاني سقوط بغداد في مارس العام 2003م .. غزو العراق للكويت الشقيقة أحدث صدمة ليس في الوطن العربي فحسب بل في العالم كله وكان بمثابة المصيدة التي أوقعت فيها الولايات المتحدة نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وأدت في النهاية ليس فقط إلى تحرير الكويت، وإنما إلى سقوط بغداد بعد مرور ما يقرب من 13 عاما على الغزو!!
طوال تلك الفترة منذ بداية الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م وحتى سقوط بغداد في مارس 2003م كانت تجري على قدم وساق عملية هدم الدولة العراقية شيئا فشيئا؛ فالغزو لم تنته تداعياته بتحرير الكويت بل امتد أثره حتى وصل إلى هدفه الأصلي وهو سقوط العراق .. تلك كانت البداية الحقيقية لتكوين الشرق الأوسط الجديد أو الكبير من خلال إسقاط قوة رئيسية في المنطقة العربية .. حيث أعطى هذا الغزو مبررا للتدخل الخارجي وقادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا شاركت فيه عدة دول عربية من أجل تحرير الكويت ما اعتبره كثيرون بداية نهاية النظام الإقليمي العربي والتمهيد لخلق نظام عربي جديد!!
الغزو العراقي للكويت دام ما يقرب من سبعة أشهر حيث شنت قوات التحالف الدولي حملتها الجوية على العراق بعد أن أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 678 الذي أجاز استخدام القوة استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية وبدأت الحرب في الـ17 من يناير 1991م واستمرت 38 يوما تعرض العراق خلالها إلى ضربة أضعفت الكثير من قدراته حيث تم قصف الأراضي العراقية بعدد هائل من القذائف والقنايل بلغ وزنها 88 طنا ونصف الطن ما يعادل 7.5 قنبلة ذرية من حجم القنبلة التي أسقطت على هيروشيما باليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبلغ عدد الهجمات الجوية 108 هجمات نفذت أميركا أكثر من 80% من هذه الهجمات، وبلغ عدد القوات الأميركية 540 ألفا من بين 630 ألف هم عدد قوات التحالف الذي شاركت فيه 31 دولة عربية وأجنبية!!
عانى العراق كثيرا بعد هذه الحرب التي دمرت الكثير من قدرته العسكرية وأضعفته اقتصاديا بعد فرض العقوبات الدولية عليه عن طريق برنامج “النفط مقابل الغذاء” وغيره من العقوبات، ما أفسح الطريق أمام الولايات المتحدة لشن حرب على بغداد في مارس العالم 2003م بقرار منفرد لم يحظَ بتأييد الأمم المتحدة شاركت فيها عدة دول أجنبية أبرزها بريطانيا بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل في هذا البلد، بينما كان الهدف الحقيقي هو تدمير العراق عسكريا واقتصاديا وبشريا وإسقاط نظام صدام حسين وتسريح الجيش العراقي، وبالتالي انهيار الدولة العراقية القوية التي كانت البوابة الشرقية للعرب .. تلك كانت اللبنة الأولى لبناء الشرق الأوسط الجديد التي سعت أميركا وحلفاؤها إلى تأسيسه!!
لقد بدأت مؤامرة خلق نظام عربي جديد بإسقاط العراق واحتلاله وتفكيك جيشه باعتباره ثاني أقوى الجيوش العربية، والدليل على ذلك أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وافق على الانسحاب من الأراضي الكويتية، إلا أن أميركا رفضت انسحابه بكامل أسلحته .. اليوم مر ما يزيد على أحد عشر عاما على الحرب الأميركية واحتلال العراق .. فكيف أصبح العراق اليوم؟؟ هل نال العراقيون حرياتهم التي وعدهم بها الأميركان .. وأين هي الديمقراطية التي ظل يرددها جيش الاحتلال الأميركي وهو يزحف داخل الأراضي العراقية واعدا بها شعب العراق؟!
أول دروس الديمقراطية التي لقنها الأميركيون للشعب العراقي كان إهانة منصب الحاكم وإذلاله .. وكلنا لا ينسى مشهد قيام الجنود الأميركيين بإخراج الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من مخبئه تحت الأرض ثم محاكمته وتعمد إعدامه في الوقت الذي يذبح فيه المسلمون أضحيتهم في مشهد شديد البلاغة، ونشر فيديو إعدامه على المواقع الإلكترونية والهواتف المحمولة حتى يرى غالبية العرب تلك النهاية في رسالة أميركية واضحة لتأليب الشعوب العربية على حكامهم .. وحين انسحبت القوات الأميركية من العراق كانت قد تيقنت أن العراق .. عراق صدام حسين لن يعود أبدا .. فالعراق اليوم في حالة تناحر داخلي دائم .. وبالتالي فلا خوف منه ولا خوف عليه!!
وهكذا فقد العرب ثاني أكبر قوة رئيسية في المنطقة ودخل العراق في صراعات ونعرات طائفية ومذهبية .. القتال على مدار الساعة .. ميليشيات مسلحة .. جماعات تكفيرية .. تنظيمات إرهابية .. لا يمر يوم على العراق بلا دم .. ولكي يكتمل مخطط الشرق الأوسط الجديد قامت (ثورات الربيع العربي) حيث شهدت عدة دول عربية في وقت واحد انتفاضة شعبية على حكامها ليهرب رئيس بطائرته مثل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي .. ويدخل آخر السجن ليحاكم بتهمة قتل المتظاهرين مثل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك .. ويتعرض رئيس عربي ثالث لمحاولة اغتيال ينجو منها بعد إصابته مثل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، بينما لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد يقاوم .. ونجحت مصر في تعديل مسارها عقب ثورة الـ30 من يونيو، وهو ما أزعج القائمين على هذا المخطط لأنهم يدركون تماما أن نجاحهم مرهون بسقوط القاهرة ودمشق، وهو ما لم يحدث .. ولن!!
سامي حامد
رئيس تحرير جريدة المساء المصرية
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.