From Rodney King to Michael Brown

<--

ذكرتني أحداث مدينة فيرغسون في ولاية ميزوري الأميركية، بواقعة رودني كينغ الشهيرة في التسعينات، والتي أظن أن الكثير من الأجيال الجديدة من القراء لا يعرفون عنها الكثير. ورغم وجود اختلافات بين الحدثين، إلا أن هناك أوجه تشابه متعددة بينهما، والأهم أن جوهر الحدثين واحد في الحالتين. ففي فرغسون اندلعت المظاهرات في المدينة ذات الأغلبية السوداء، احتجاجا على مقتل شاب أسود أعزل يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما، على يد ضابط شرطة أطلق عليه عددا غير معلوم حتى الآن من الرصاص، ثم أخفت هيئة الشرطة هويته وادعت أن الفتى هاجمه في سيارته مما دفعه لإطلاق النار عليه.

أما في التسعينات، فقد التقط عام 1991 أحد الهواة تسجيلاً بالفيديو لأربعة من ضباط شرطة في لوس أنجلوس، يوسعون رجلاً أسود يدعى رودني كينغ ضربا وركلا، مما أدى لمحاكمة الضباط الأربعة، لكن المحكمة برأتهم جميعا عام 1993، ما أدى لاندلاع المظاهرات في المدينة احتجاجا على تبرئة الضباط، بعد أن رأى العالم كله شريط الفيديو المشين. وقد قتل في تلك المظاهرات العشرات وجرح المئات، وانتقلت عدواها إلى مدن أخرى، ولم تهدأ الأمور إلا بعد أن تدخلت الحكومة الفيدرالية وتمت إعادة المحاكمة.

والاختلافات واضحة، ففي القصة الأولى قتل الشاب الضحية، بينما في الثانية ظل كينغ حيا يرزق، رغم المهانة والإذلال. وفي الأولى كان الاحتجاج على مقتل الفتى وحماية الشرطة لواحد منها لا حماية المواطنين، بينما في الثانية كان الاحتجاج منصبا على عدم عدالة النظام القضائي. لكن التشابه كبير من حيث الاحتجاجات التي اندلعت ثم عمت مدنا أخرى، لكن الأهم من هذا وذاك، أن القضية واحدة وهي تمييز جهاز الشرطة الأميركي حتى اليوم، ضد سود أميركا بأشكال شتى. والقصة لم تكن أبدا مشكلة يعاني منها جهاز شرطة لوس أنجلوس فقط أو جهاز شرطة فيرغسون، ففي بعض الأحيان تسمع عن جهاز شرطة نيويورك »الذي صار خارجا عن السيطرة في تجاوزه للقانون«، خصوصا في تعامله مع السود، أو جهاز شرطة أوهايو أو تكساس، وهكذا.

فالقضية باختصار، أن تلك مسألة لاتزال موجودة حتى اليوم.

بل أكثر من ذلك، ففي الشهر نفسه الذي مات فيه مايكل براون، قتل ثلاثة آخرون على يد الشرطة في ثلاث ولايات أخرى. قتلت الشرطة الأميركية في أوهايو ونيويورك ولوس أنجلوس، إلى جانب فرجسون في ولاية ميزوري، أربعة من الشباب السود.

ففي نيويورك، سجل شريط فيديو كيف قتل شرطي بائع سجائر أسود، عبر خنقه من خلال لف ذراعيه حول رقبته من الخلف. وفي لوس أنجلوس قتل ضابط شابا أسود امتثل لطلب التوقف لتفتيشه. وفي أوهايو، أطلقت الشرطة النار على شاب أسود داخل أحد متاجر وولمارت، لأنه كان يحمل مسدسا يرفعه لأعلى، بينما وولمارت متجر يبيع المسدسات! المشكلة إذن، هي في العنصرية التي لم يتم علاجها منذ واقعة كينغ حتى الآن.

لكن الأوضاع تفاقمت وازدادت سوءا عن ذي قبل، لسببين؛ أولهما أن القتل لم يعد من جانب الشرطة فقط، وإنما صار من جانب البيض من الأفراد، كما كان الحال في زمن الفصل العنصري، وهي ظاهرة صارت تسبب قلقا شديدا للأسر السوداء على أولادها من الذكور تحديدا.

فقصة الفتى تريفون مارتن، الذي قتل العام الماضي في فلوريدا دون أن يرتكب جرما سوى أنه أسود لم تنسَ بعد، وهو الحادث الذي تلاه بداية هذا العام قتل الفتى جوردون ديفيز. أما ثانى التحولات السلبية، فقد كان شديد الوضوح، إذا كنت قد تابعت صور مدينة فيرغسون الأسبوع الماضي، فور اندلاع المظاهرات وقبل سحب شرطة المدينة. فهي كانت بالفعل تشبه الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان، فرجال الشرطة يرتدون الملابس العسكرية المدججة بالسلاح، ويستخدمون المدرعات والعربات التي تشاهدها في الصور في العراق أو في أفغانستان! كل ذلك لمواجهة مئات الأميركيين السود المتظاهرين! فالهيستريا التي عاشتها أميركا بعد 11 سبتمبر، جعلت الولايات المتحدة تقوم بعسكرة الشرطة تحت شعار مواجهة الإرهاب.

وعبر عدد كبير من المنح الفيدرالية، حصلت الشرطة المحلية في الولايات على أسلحة ومعدات وطائرات وعربات تستخدمها الجيوش في الحروب، ومما لا تستخدمه عادة الشرطة المدنية. وفي ظل تلك الهستيريا، لم توضع أية قيود على استخدام تلك الأسلحة في مواجهة المدنيين، ولا أية معايير لمحاسبة الشرطة إن فعلت، وكانت الضحية الأولى طبعا هي الأقليات وخاصة السود، لأن الشرطة صاحبة تاريخ طويل في التمييز ضدهم. رحت أشاهد ما يجري في فيرغيسون على الهواء، وأستمع لرئيس شرطة فيرغسون الأبيض وهو يحاول أن يجد كل التبريرات لزميله الذي قتل مايكل براون، ثم يمدح في هذا الزميل القاتل.

وتأملت ما قيل قبلها بيوم من جانب الشرطة نفسها، من أن القتيل كان قد سرق من محل قبل أن يقتل، ثم عادت الشرطة وتراجعت عما قالت. وقلت لنفسي من رودني كينغ إلى مايكل براون وإلى ما بعد براون، لا يزال البيض في أميركا في حالة إنكار. لا تريد أميركا البيضاء أن تعترف بحجم الظلم الواقع على السود، فالفتى قتل بالفعل، ومع ذلك يبحثون له عن جريمة بينما يمدحون قاتله.

About this publication