Cairo on Missouri: Genuine Concern or Diplomatic Bickering?

<--

من أطرف المناكفات في العلاقات الدولية ان تتاح لإحدى الحكومات فرصة ‫»‬سقي» الخصم «جرعة من دوائه»، كما يقول التعبير الانكليزي. هكذا أتيح أواخر 2010 لفلاديمير بوتين، الذي كان رئيس وزراء آنذاك، ان يدافع عن مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج ويقول مستنكرا: «هل هذه هي الديمقراطية؟ إذا كان هنالك من ديمقراطية فعلا فلا بد ان تكون بلا استثناء. لماذا ألقي القبض على أسانج؟ ينبغي على [الغربيين] البدء بالكنس أمام بيوتهم. انني أرمي الكرة في مرمى زملائنا الأمريكيين». ‬‬‬‬

والمناكفة هي، عادة، سلاح الضعيف أو المخطىء. ومن أمثلة ذلك ان إدارة الرئيس بوش انتقدت خلوّ آخر انتخابات تنظم في تونس في أواخر عهد نظام الحداثة البوليسية من أبسط شروط التنافس الديمقراطي الحر، فماذا كان رد فعل النظام «الزبون» لدى الأمريكان؟ لم يسكت نظام بن علي ولم «يبتلعها» مثلما كان يفعل من قبل. بل انه لم يجد مناصا، أمام هذه العدوان الأمريكي السافر، من لملمة بقايا شجاعة عابرة وإصدار الأمر لمرتزقته من «الصحافيين» بان يبسطوا القول في حقيقة عميقة خافية على الأجانب: وهي ان (حكومة) تونس لا تقبل دروسا في الديمقراطية من أحد، وخاصة من بعض دول وصل رؤساؤها للحكم في انتخابات مشكوك في نزاهتها (في إشارة لانتخابات عام ألفين وما جرى في ولاية فلوريدا من فرز متكرر وتشكيك في صحة النتيجة).

كانت ردة فعل غضبى صادمة بتعاظمها وتعالمها. ولكن رغم التشكيك الأولي، فقد تأكد، بعد التثبت والتحقق، ان خبر «لا نقبل دروسا» صحيح.

دنيا! هكذا أتى نظام بن علي بالدليل على ان الله قادر ان يودع قوته في أضعف مخلوقاته السياسية. فلا عجب إذن ان تقرر الحكومة التي انقذت مصر من الخراب ـ وأعادت الحق إلى نصابه خصوصا في مجال تحديد العدو من الصديق في الداخل والخارج ـ وضع الرئيس أوباما على بينة من انها ليست بغافلة عن انتهاكات حقوق «الإنسان التي تقع في أمريكا.

فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية قبل أيام بيانا دعت فيه السلطات الأمريكية إلى ضبط النفس في تعاملها مع المتظاهرين في سانت لويس، كبرى مدن ولاية ميزوري في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة، في أعقاب مقتل الشاب الأسود مايكل براون يوم ٩ آب (أغسطس) في فرغسون (إحدى ضواحي سانت لويس) بست عيارات نارية أطلقها عليه ضابط شرطة أبيض، مع ان الشاب لم يكن مسلحا. وقال البيان ان الحكومة المصرية «تتابع عن كثب التصعيد في مظاهرات فرغسون وما تثيره من ردود أفعال».

غير انه غاب عن ذهن هؤلاء «المتابعين عن كثب» انه رغم وحشية الشرطة في ميزوري، فانه قتل ‪(‬حتى كتابة هذه السطور) شخص واحد بينما كان القتلى برصاص الشرطة المصرية العام الماضي بالمئات، يضاف إليهم مئات المحكوم عليهم بالإعدام وآلاف السجناء. تفصيل بسيط، طبعا، لن يسمح له «المتابعون عن كثب» بان ينغص عليهم متعة النكتة. ‬‬‬‬

واحدة بواحدة إذن: سانت لويس بالقاهرة، وفرغسون برابعة. وكلنا أولاد تسعة أشهر. ولا أحد أفضل من أحد في دنيا الديمقراطية الفانية. تطور جديد في ترسانة الحيل الدبلوماسية للنظام الرسمي العربي يدل على راديكالية استراتيجية الانقاذ الوطني في دول الثورات المجهضة والنظام البائد السائد أبدا: الإمعان في الهروب إلى الأمام مع عصب العينين ضمانا لإدراك جميع الحقائق وعدم التعرض لأية حوادث.

وقد كان في رد المتحدثة باسم البيت الأبيض كثير من «ضبط النفس» العزيز على «المتابعين عن كثب»، حيث بدأت بالتذكير بانه «عندما يكون عندنا مشكلات في هذه البلاد فاننا نواجهها بكل نزاهة وصراحة» ثم اكتفت في التعليق على بيان الخارجية المصرية بالقول ان «هذه من محاسن حرية التعبير التي نتمسك بها كثيرا في الولايات المتحدة، وهي حرية لا نستطيع القول انها تحظى بهذا النوع من الاحترام في مصر».

ولكن ما يبدو عديم المصداقية، بل مجرد نكتة، عندما يصدر عن نظام له تاريخ في الاستجداء أو التبعية، مثل تونس أمس أو القاهرة اليوم، فانه يكتسب كامل معناه عندما يصدر عن دولة تتميز بالاستقلالية (بصرف النظر عن طبيعة النظام). ولهذا فقد كان من المعقول ان تقول وزارة الخارجية الإيرانية ان اضطرابات ميزوري هي أحد أعراض «ظاهرة العنصرية» في الغرب. كما كان من المفهوم ان تقول وكالة الأنباء الصينية الرسمية ان الولايات المتحدة تلعب دور المدافع الدولي عن حقوق «الإنسان، ولكن «لا يزال أمامها طريق طويل لترميم أوضاعها الداخلية». إذ من «البديهي ان ما ينبغي على الولايات المتحدة هو ان تنكبّ على معالجة مشكلاتها، بدل ما دأبت عليه من توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين».

About this publication