America, Naked in Ferguson

<--

قلت في مقال سابق إن من أهم الملفات التي فتحدتها أحداث فيرجسون في أمريكا ملف تعامل أمريكا الإجرامي مع العالم، ومع الدول العربية بالذات.

ببساطة، أحداث فيرجسون فضحت أمريكا وفضحت مواقفها وسياستها الخارجية وكل ادعاءاتها التي ظلت ترددها على امتداد السنوات الماضية.

أحداث فيرجسون فضحت أمريكا هنا من أكثر من زاوية.

هذه الأحداث فضحت أولا دعاوى أمريكا عن حقوق الإنسان وتشدقها بها.

كما نعلم، أمريكا تصور نفسها كما لو كانت هي المدافع الأول عن حقوق الإنسان في العالم، والأكثر حرصا عليها، حتى أنها تعطي لنفسها الحق في إصدار تقرير سنوي عن حقوق الإنسان في العالم يوزع الاتهامات على مختلف الدول.

وكما نعلم، أنه بالنسبة إلى الدول العربية بالذات، اتخذت أمريكا هي ومؤسساتها ومنظماتها المشبوهة من حقوق الإنسان ذريعة للتدخل السافر في شئون دولنا. ليس هذا فحسب، بل واتخذتها ذريعة لدعم قوى طائفية وانقلابية تريد إشاعة الفوضى وتهديد الدولة والمجتمع.

فعلت أمريكا هذا قي البحرين وفي مصر، وفي أغلب الدول العربية. وجاءت أحداث فيرجسون لتثبت للعالم كله أن هذا الدور الذي تلعبه أمريكا في العالم تحت دعاوى حقوق الإنسان هو دور إجرامي مشبوه، ولتثبت أن أمريكا ليست أهلا أصلا لأن تتحدث عن حقوق الإنسان, ناهيك عن الزعم بحمل لواء الدفاع عنها.

هذا ما يقوله الأمريكيون أنفسهم اليوم من محللين ومواطنين.

لو كان لدى أمريكا أي مصداقية في الحديث عن حقوق الإنسان، لكانت من باب أولى قد اهتمت بحقوق مواطنيها السود، ولكانت قد أعطتهم هذه الحقوق.

لكن أحداث فيرجسون جاءت لتبرز أمام العالم الحقيقة التي يعرفها الأمريكيون جيدا، وهي أن المواطنين السود يعانون من الظلم والعنصرية والتمييز.

بحسب محللين أمريكيين، فقد كشفت هذه الأحداث أن أحوال الأمريكيين السود وما يعانون منه من تمييز وظلم لم تتحسن كثيرا عما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي.

وأحداث فيرجسون فضحت أمريكا ودعاواها في الحرص على حق التظاهر السلمي، وفي الدعوة إلى احترام هذا الحق.

هنا أيضا، نعلم، ماذا فعلت أمريكا مع دولنا العربية على امتداد السنوات الماضية، وماذا وجهت إليها من انتقادات ودعوات لاحترام التظاهر السلمي. ونعلم أي انتقادات ظالمة وجهتها أمريكا إلى الشرطة في البحرين مثلا ومصر أيضا ودول عربية أخرى تحت زعم تجاوزاتها في التعامل مع المتظاهرين.

لكن في فيرجسون لم تتردد الشرطة الأمريكية لحظة واحدة في التعامل بعنف ووحشية مع المتظاهرين السلميين، على الرغم من انه بحسب كل التقارير فإن هذه التظاهرات لم تشهد أي تجاوزات ضد الشرطة.

والشرطة الأمريكية في تعاملها الوحشي مع التظاهرات لم تستثن لا المواطنين، ولا الصحفيين، ولا الناشطين.

الشرطة الأمريكية فعلت هذا مع تظاهرات احتجاج سلمية على مقتل فتى اسود ظلما على يد الشرطة. هذا في حين أن دولنا العربية تواجه جماعات طائفية وانقلابية وإرهابية تلجأ إلى العنف وإلى الإرهاب. وأمريكا تريد حماية هذه الجماعات تحت زعم احترام حق الاحتجاج.

والفضيحة الكبرى التي كشفتها أحداث فيرجسون، كانت من نصيب المنظمات الأمريكية العاملة في مجالات حقوق الإنسان، وحقوق الصحفيين, والحقوق المدنية وما شابه ذلك.

نعلم أن هذه المنظمات كانت على امتداد السنوات الماضية هي رأس الحربة في تنفيذ المخططات العدوانية تجاه دولنا وفي التحريض عليها. عشرات التقارير المشبوهة الظالمة، ونتائج تحقيقات مزعومة أصدرتها هذه المنظمات عن البحرين وعن مصر وغيرهما.

الآن، أين هذه المنظمات مما جرى في فيرجسون؟

أين هذه المنظمات من وحشية الشرطة الأمريكية وما تعرض له المتظاهرون من تنكيل وعنف؟.. وأين هذه المنظمات من قضية حقوق السود في أمريكا عموما؟

لم نسمع أن أي منظمة من هذه المنظمات أصدرت بيانا واحدا عن الأحداث أو أدانت الشرطة، أو أعلنت أنها تعتزم إجراء تحقيق فيما جرى.

أين المنظمة المشبوهة «هيومان رايتس ووتش»؟.. لماذا خرصت تماما ولم تنطق بكلمة واحدة؟.

صمت هذه المنظمات على هذا النحو فضحها أمام العالم، وأثبت أن دورها في استهداف دولنا العربية هو دور تآمري إجرامي لا علاقة له بحقوق إنسان أو غيرها.

وبشكل عام، فضحت أحداث فيرجسون تدخلات أمريكا السافرة في شئون دولنا. ففي الوقت الذي دأبت فيه على هذا التدخل السافر في شئوننا ، لم تتقبل الانتقادات الخارجية لها في تعاملها مع أحداث فيرجسون.

الخارجية المصرية أصدرت بيانا دعت فيه أمريكا إلى «ضبط النفس» واحترام حقوق المتظاهرين السلميين. لكن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية خرجت لتقول: «هذه مشاكلنا ونتعامل معها بشفافية». أي أن هذه مشاكلنا الداخلية ولا شأن لكم بها.

ايضا، السفير الأمريكي في البحرين رفض التعليق على أحداث فيرجسون على أساس أن هذه قضية داخلية أمريكية.

إن كان هذا هو موقفهم، فلماذا إذن يعطون لأنفسهم الحق في التدخل في قضايا وشئون داخلية تخص دولنا؟

قد يتساءل البعض: هل ستغير أمريكا من طريقة تعاملها مع دولنا وتوقف تدخلاتها السافرة بعد هذه الفضائح التي كشفتها أحداث فيرجسون؟

الجواب: ليس بالضرورة. ذلك أن البجاحة والصفاقة سمات أساسية في السياسة الأمريكية.

About this publication