9/11 Again!

<--

اختار الرئيس الأميركي باراك أوباما، مناسبة مرور ثلاثة عشر عاماً على أحداث 11 /9 في نيويورك وواشنطن، ليعلن خطة حربه على تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي ملأ المنطقة إرهاباً. ورمزية اختيار هذا التوقيت واضحة؛ إنه يريد تكرار الرسالة بأنه لا يتهاون هو أيضاً عندما يتعلق الأمر بسلامة مواطنيه بالتحديد. ومع أنه قال مؤخراً أنه لا يملك استراتيجية لمواجهة المجموعة المتطرفة، حضرت الاستراتيجية والعمل بمجرد مقتل الصحفيين الأميركيين فولي وسوتلوف. وقبل ذلك، كان جورج دبليو. بوش قد أعلن حربه على “القاعدة” بعد 11 /9 /2001، ليرسل لشعبه وللعالم نفس الرسالة.

وفي الحالتين، كان العنوان الأكبر، الواضح/ الغامض، هو حرب الغرب “المتحضر” على الإسلام “المتخلف”، في تحقيق لتصور صمويل هنتنغتون الشهير عن “صراع الحضارات”. لكن المختلف هو استقبالنا نحن في هذه المنطقة لردتي الفعل.

في تلك المرة الأولى، استقبل معظمنا ضرب برجي مركز التجارة ووزارة الدفاع الأميركية بشيء من الرضا والاحتفال. الكثيرون منا غادروا أعمالهم في ذلك اليوم وعادوا إلى بيوتهم وتسمروا أمام شاشات التلفزة مشدوهين، وكأنه يوم القيامة. لم يكن من الإنساني ولا الأخلاقي الابتهاج لرؤية أناس يعملون في مكاتبهم غافلين قبل هبوط الجحيم عليهم من السماء دفعة واحدة. لكن كثرة الجراح ولدت الشماتة. فكر بعضنا: “ها هي أميركا المحتمية بقلعتها خلف البحار؛ التي تمد يديها إلى جيوبنا وتقبض على أعناقنا من بعيد؛ التي ترسل جواسيسها وتسلط عملاءها ليرزأوا الأمهات وييتموا الأطفال في كل مكان، تتذوق شيئاً من الكأس الذي تسقيه للآخرين. ها هم يختبرون ما يعنيه الثكل وذهاب الأحبة وفقدان الأمن، ويذرفون الدموع كالآخرين”. ثم، عندما انهالت الطائرات على كابول، راقبنا بإشفاق. لم نكن قد اكتوينا بنار “القاعدة”، وما أدرانا ما القاعدة؟ وفي 2003 اقترب الخطب، ونزفنا عجزاً ومرارة بينما تزرع الطائرات ليل بغداد بالنار والموت. لقد خرج الوحش من وكره وجاءنا بنفسه أخيراً.

انهزمنا. وباعوا علينا هنا بعدها كل شيء. قال زعيم: “دي أمريكا”. وقال الآخرون: أرأيتم؟ لا قِبل لنا. وتوالى مسلسل الانكسارات. تداعت روح المقاومة والأمل. استيقظ غول الطائفية. كف الناس عن الغناء والشعر الحماسي وازدهرت المراثي. وأصبحنا نعرف ما هي “القاعدة” والتطرف، وعاد إلينا “مقاتلو الحرية” من كابول لينقذونا من الضلال بالقتل والتفجيرات عندنا. وراكمنا السخط حتى أحرق محمد البوعزيزي نفسه، وخرج الناس من عباءة الخوف. لكنه عندما انجلى أول الغبار واجهتهم الحقيقة البشعة التي صنعتها عقود من قمع الفكر الجديد والحرية والعلم: إما عودة المستبدين أنفسهم؛ إما الأيديولوجية المعادية للتقدم وكل ما سواها وأهلها أنفسهم، أو الفوضى! وما تزال حصيلة الموت والرعب تتعاظم. لكنّ شيئاً آخر اختلف.

هذه المرة، انتظرنا في أكثر من مكان عربي خطاب الرئيس الأميركي الذي “يحب الفقراء والمسلمين”، وكلنا أمل بأن يرسل طائراته وجيوشه لتقتل أناساً كان يُفترض أنهم من مواطنينا. أصبحنا نندم على الساعة التي تعاطفنا فيها مع “القاعدة” وضرب منهاتن (لا أستبعد شخصياً نظرية المؤامرة في 11 /9، وإنما على أساس أن “القاعدة” أيضاً صناعة أميركية حصرية). الآن معظمنا هنا، من العاديين والمنظرين، يأملون بأن لا تتركنا أميركا أمام الغزاة المحليين من “المسلمين” العاكفين على إلزامنا بتأويل غير واقعي. أصبح “صراع الحضارات” مركباً جداً: الغرب ضد المسلمين؛ المسلمون ضد المسلمين؛ السُنّة ضد الشيعة؛ والسُنّة ضد السُنّة. والحصيلة: لا أحد في مأمن.

هذه الحقبة من خبرتنا بشعة. لم تبدأ حقاً بـ11 /9 /2001، لكن ذلك التاريخ شكل نقطة الانكسار الواضحة في الاتجاه الانحداري. البعض في الغرب ينادون بترك المنطقة الغاصة بالمشكلات تتدبر شأن مصائبها بنفسها، على طريقة المجنون الذي يرمي حجراً في بئر، ثم يمل العاقلون من استخراجه، فينصرفون ويتركون أصحاب البئر أمام معضلتهم وحدهم. ونحن ضيعنا الصواب. مرة نقول إنهم يجب أن يتركونا وحدنا -بعسلهم ولسعهم- علنا نتفتق عن شيء. ومرة نفكر بأنهم إذا تركونا وحدنا سنغرق. الآن أصبح أذكى المُجتهدين في التفسير مجرد ضارب في الرمل، يمكن أن تكذبه اللحظة التالية. ربما تكون الحقيقة الوحيدة المطمئنة، هي أن كل ليل يعقبه نهار!

About this publication