مظاهرات الاحتجاج والغضب تجتاح امريكا كلها حاليا. تحديدا، اندلعت مظاهرات الاحتجاج هذه في 170 مدينة امريكية.
الاحتجاجات اندلعت في الأيام الماضية في اعقاب صدور قرار هيئة المحلفين بتبرئة الضابط الابيض الذي قتل فتى اسود في
فيرجسون.
السلطات في الولاية، كانت قد استبقت الحكم، وقبل صدوره بايام، اعلنت حالة الطوارئ ونشر قوات الحرس الوطني تحسبا لردود
الفعل المتوقعة.
كأن سلطات الولاية كانت تتوقع صدور الحكم على هذا النحو، وتتوقع انه سيكون حكما غير عادل، وانه سوف يفجر الاحتجاجات
بالضرورة.
قرار هيئة المحلفين على هذا النحو، جاء ليفجر مجددا قضية العنصرية في امريكا، وما يعانيه السود من ظلم واضطهاد وتمييز
على كل المستويات.
وهذه الاحتجاجات اندلعت ليس فقط احتجاجا على حكم تبرئة الضابط الابيض، وانما احتجاجا على العنصرية في امريكا برمتها
بكل ابعادها القبيحة.
الشعارات التي رفعها المتظاهرون في كل هذه المدن الامريكية تلخص الاسباب التي فجرت هذا الغضب والاحتجاج.
المتظاهرون رفعوا شعارات مثل «العنصرية تقتل» ولا عدالة لا سلام «واوقفوا ترهيب الشرطة العنصرية» و«حياة السود لها
اهمية».. وهكذا.
احد المتظاهرين قال: «انني جئت لأرى تحقيق العدالة، ولكننا نرى الآن ان الأمر اصبح مختلفا. ان العدالة تسقط الآن».
اذن، خرجت هذه الاحتجاجات لتندد بالعنصرية في امريكا وبما يعانيه السود من اضطهاد، ولتندد بغياب العدالة، وبوحشية
الشرطة وعنصريتها.
من المهم ان نتأمل كيف تعاملت الإدارة الأمريكية وسلطات الامن مع هذه الاحتجاجات.
بداية، لم تتردد قوات الأمن والحرس الوطني في التصدي للمحتجين، وخصوصا في الحالات التي تحولت فيها هذه الاحتجاجات
الى اعمال عنف وحرق وتخريب للمتلكات العامة.
وخرج الرئيس الأمريكي اوباما اكثر من مرة ليخاطب الشعب، وليحدد بوضوح الموقف من هذه الاحتجاجات.
اوباما اكد بحسم ووضوح امرين:
الأمر الأول: ان اعمال العنف والتخريب مرفوضة ولا تسامح معها تحت أي ذريعة. ادان «حرق المباني واضرام النار في
السيارات وتدمير الممتلكات وتعريض الناس للخطر» وقال: «لا يوجد اي مبرر لذلك انها اعمال اجرامية». واضاف «لا
اتعاطف ابدا مع الذين يدمرون مناطقهم».
والأمر الثاني: انه لا بد من قبول قرار هيئة المحلفين على اعتبار ان هذا ما يحتمه احترام القانون والقضاء. قال: «اننا أمة تقوم
على احترام القانون، وثمة حاجة لأن نقبل ان هذا القرار هو من صميم عمل هيئة المحلفين الكبرى»، علينا ان نلاحظ هنا بالطبع
ان هذا الموقف الذي اتخذه اوباما والسلطات الأمريكية هو بالذات الذي تنكره على دول العالم. فامريكا لا تكف عن الدفاع عن
اعمال عنف في دول اخرى، ولا تكف عن التدخل السافر في احكام القضاء في البحرين وغيرها من الدول العربية.
التطور المهم فيما تشهده امريكا هو الموقف الذي اعلنه مفوض الأمم المتحدة لحقوق الانسان الأمير زيد بن رعد الحسين.
الأمير زيد بن رعد طالب الولايات المتحدة بالتحقيق في مدى صحة الاتهامات الموجهة الى الشرطة الأمريكية بالعنصرية على
خلفية الاضطرابات التي تجددت في مدينة فيرجسون. وقال إن لجانا تابعة للأمم المتحدة وكذلك منظمات أمريكية تحدثت أكثر من
مرة عن وجود «اضطهاد مؤسسي» في الولايات المتحدة. واضاف أنه «قلق للغاية» بشأن ارتفاع عدد الأفارقة الأمريكيين الذين
قتلوا خلال مصادمات مع الشرطة بشكل مفرط. كما رأى أن زيادة غير متناسبة في أعداد الأمريكيين من ذوي الأصول السوداء
الذين يقبعون في السجون الأمريكية والأفارقة الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم.
هذا موقف له اهمية كبرى ويحسب لمفوض حقوق الانسان الامير زيد بن رعد.
لأول مرة، الأمم المتحدة تضع امريكا في قفص الاتهام بسبب عنصريتها واضطهادها للمواطنين السود، وتطالب بالتحقيق في
ممارساتها العنصرية وانتهاكاتها لحقوق السود.
لعل هذا الموقف الدولي، وهذه الاحتجاجات وما كشفت عنه، تدفع امريكا لأن تتوقف عن تدخلاتها السافرة في شئون دول العالم،
وتتوقف عن تبجحها بالحرص على حقوق الانسان في الدول الأخرى.
Top
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.