Spin Doctoring Torture

<--

مع مناقشة الكونجرس الأميركي بشأن أساليب تعذيب اتخذتها وكالة المخابرات الأميركية في اعتقال واستجواب المشتبه بهم في الفترة التي تلت اعتداءات 11 من سبتمبر اجتاحت وسائل الإعلام العربية والعالمية حمى التحليلات والتعليقات على هذا التقرير التي لم تختلف جميعها على إدانة الأساليب البشعة التي كان أغلبها معروفا منذ سنوات مع صور معتقل أبوغريب بالعراق وحكايات جوانتنامو في كوبا والتسريبات بشأن الاستجواب بالخارج وتحديدا في دول بالشرق الأوسط وأوروبا الشرقية فيما عرف وقتها بـ(المعتقلات الطائرة).

لكن وسائل الإعلام هذه وبشكل يكاد يكون متعمدا في تناولها للتقرير الذي جاء في نحو 6 آلاف صفحة لم يتكشف منه سوى 500 فقط جعلت منه مبضعا لإجراء جراحات تجميل للإدارة الأميركية عبر القول أو التلميح بأن مجرد مناقشته والاعتراف بما فيه هو انتصار لقيم إنسانية تتمتع بها أميركا أو من خلال إعطاء الفرصة للقائمين على التعذيب بالدفاع عن ممارساتهم وذلك في تجسيد حقيقي للمصطلح الانجليزي (SPIN DOCTORING).

واذا كان هذا المصطلح الانجليزي لم تجد له الكتب والمراجع الاعلامية مرادفا عربيا الا أنه يمكن اجماله في أنه التعامل مع الأحداث أو المعلومات التى تهم الرأى العام بطريقة خاصة بحيث يتعمد تفسيرها وتحويرها بصورة توافق اتجاه معين لتحقيق هدف ما. وهي عملية يخطط لها ويقوم عليها من باتوا يعرفون بـ(خبراء التجميل الاعلامي).

لعل استخدام (SPIN) يرجع لانها تشير الى الحركة الدورانية التي تعمل على تدوير الأمر وربما تقديم الحقيقة مقلوبة.

وربما تتميز هذه العملية عن الدعاية السوداء (BLACK PROPAGANDA) في أن الأخيرة تستخدم الأكاذيب لكن التدوير يعتمد على الحقائق ليقدمها مشوهة أو مشوشة لايصال انطباع أو احداث التأثير المطلوب أي أن أساس هذه العملية هو عرض الأخبار السيئة بشكل ايجابي مع العمل قدر الامكان على الظهور بمظهر الضحية أو المضطر لكسب التعاطف الجماهيري.

واذا راجعنا التناول الاعلامي لتقرير الكونجرس الأميركي نجد أن عملية التجميل وقواعد الـ(SPIN DOCTORING) تنطبق عليه بشكل كبير.

فالرئيس الأميركي باراك أوباما والذي يواجه فشلا واضحا في التعامل مع الارهاب وانتقادات حادة من أسر رهائن قتلوا على يد خاطفيهم في عمليات كان آخرها مقتل رهينتين أحدهما أميركي والآخر جنوب أفريقي في عملية تحرير فاشلة خاضتها القوات الأميركية في اليمن وجد في هذا التقرير ـ الذي يدين بشكل كبير سلفه الجمهوري جورج بوش الابن ـ ضالته في تحسين صورته كرافض للتعذيب مستخدما في التعليق الذي ساقه البيت الأبيض عبارات مطاطة حيث كان التعليق الأول للمتحدث باسم الادارة الاميركية “السؤال الاهم هو هل كنا مضطرين الى ان نفعله (التعذيب) ؟ والاجابة هي لا” كما أعلن ان اوباما يحتفظ بثقته كاملة بمدير السي آي ايه.

أما مدير السي ايه نفسه فقد تلقف التقرير ليدافع عن سياسات وكالته حيث قال في مؤتمر صحفي استثنائي في مقر سي آي ايه نقل مباشرة عبر التلفزيون للمرة الاولى في التاريخ الاميركي “ليست هناك اي وسيلة لمعرفة ما اذا كانت بعض المعلومات التي تم الحصول عليها (بفضل تلك الوسائل) كان يمكن الحصول عليها بوسائل اخرى”.

كما رفض استخدام عبارة “تعذيب” قائلا “اترك لغيري امر وصف هذه الانشطة” مشيرا الى ان الاستخبارات المركزية الاميركية “تحركت في مجال مجهول” بعد اعتداءات 11 سبتمبر.

كما أنه من المؤكد أن عبارة (وسائل أخرى) التي أوردها مدير السي اي ايه ستفتح الباب مستقبلا أمام دفاع جديد عن ما تكشف مؤخرا من تجسس تقوم به وكالات الامن والاستخبارات الأميركية على الهواتف ووسائل الاتصال الالكترونية.

أما من خارج الادارة الأميركية فوجدنا تعليقات من محللين وسياسيين جميعها تشيد بـ(ديمقراطية أميركا) التي اعترفت بأخطائها وتتجه للتصحيح على حد اعتبارهم.

فاذا كانت الأميركية تريد تجميل صورتها أو الدفاع بطريقتها عما تكشف منذ سنوات صرف الأنظار عن ما تكشف من تعذيب مارسه من كانوا وما زالوا يقدمون أنفسهم على أنهم حماة الديمقراطية وحقوق الانسان فانه من السذاجة أن نكون نحن أدواتهم في تجميل صورتهم.

About this publication