Condemning Torture Does Not Excuse It!

<--

كما تلاحظ وسائل إعلام عالمية، فإن التقرير الصادر، يوم الثلاثاء الماضي، عن مجلس الشيوخ الأميركي حول أساليب التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية “سي. آي. إيه”، ضمن جهود ما يسمى مكافحة “الإرهاب”، قد أدى إلى توحيد أعداء الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها في إصدار الإدانة، فكان بينهم حتى كوريا الشمالية، وما دونها في الاستبداد!

لكن وجهة الإدانة هذه هي ما يُظهر فارقاً شاسعاً بين أعضاء هذا “الاتحاد” الطارئ. ذلك أن قلة فقط دانت التعذيب أساساً، وكان طبيعياً أن تدين، بالتالي، ممارسيه هنا، وهي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بدعم وغطاء كاملين من إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن. في المقابل، انصب الجزء الأكبر من الإدانة على الولايات المتحدة، وليس على إدارة بوش السابقة، ومن قبل أصدقاء كما أعداء لهذا البلد، بدعوى “النفاق الأميركي”. وهو ما يعني، بصراحة ووضوح، ووفق القول الشعبي أن “ما حدا أحسن من حدا”. أي إن هؤلاء لا يدينون التعذيب أبداً، بل إدانتهم تتوجه لانتقاد حصوله في تلك الدول، من قبل الولايات المتحدة خصوصاً.

هكذا، يكون تقرير “الشيوخ” في الحالة الأخيرة مناسبة جديدة فقط لتبرير الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان في كثير من الدول. إذ إنه ليس جديداً أن الولايات المتحدة، وكما يُظهر سجل تحالفاتها في العالم ككل، تعتبر حقوق الإنسان مسألة ثانوية عند تعارضها مع مصالحها القومية. كما أن هذا التقرير ليس الأول من نوعه، بل صدر مثله منتصف سبعينيات القرن الماضي عن “لجنة تشرش” (Church Committee) المنبثقة عن مجلس الشيوخ الأميركي أيضاً، والتي حققت في النشاطات غير القانونية للـ”سي. آي. إيه” ووكالة الأمن القومي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي.

وفي حالة العالم العربي خصوصاً، فيمكن أن ننسى أو نتناسى، كما يفعل المزاودون، أن دليل الإدانة الحالي صادر عن مجلس الشيوخ الأميركي ذاته، وليس عن أحد سواه. وإذا كان التقرير قد تضمن كثيراً مما هو معروف منذ سنوات عن الفظائع التي ارتكبتها الاستخبارات الأميركية، بزعم مكافحة “الإرهاب”، فإن هذا المعروف كان بفضل صحفيين أميركيين ووسائل إعلام أميركية تحديداً، وليس الإعلام الحر في روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وسواها! كذلك، يمكن أن ننسى أو نتناسى أنه حتى دول “مقاومة وممانعة”، ولاسيما سورية الأسد، كانت وكيلاً للولايات المتحدة في التعذيب، والأشهر هنا قصة المواطن الكندي من أصل سوري ماهر عرار.

لكن برغم كل ذلك، يظل السؤال الأهم: هل ممارسة التعذيب من قبل الولايات المتحدة، هو حجة على الضحايا في مواجهة مجرمين وجلادين آخرين، بحيث يتم تبرير الفظائع بحق هؤلاء، كما يتم تبرير دعم الاستبداد وتخوين المطالبة باحترام حقوق الإنسان؟

في اليوم التالي لصدور التقرير الأميركي، صدر تقرير آخر أكثر أهمية، أبكى رئيسة البرازيل ديلما روسيف، إذ كان عن الجرائم التي ارتكبت في ظل الحكم الدكتاتوري “الوطني!” للبلاد خلال الفترة 1964-1985. أما الهدف، فهو ترسيخ المصالحة الوطنية، ومنع حدوث هكذا جرائم في المستقبل، حتى إن ارتكبت في الدولة الأعظم؛ الولايات المتحدة. وهذا ما يحتاجه العالم العربي، لاسيما أن التعذيب وكل الانتهاكات الأخرى للكرامة والحرية، هي ما أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم، فيما نهضت الحرية والديمقراطية والنزاهة والمساءلة بالبرازيل.

About this publication