Operation Decisive Storm and Lifting the American Umbrella

<--

بدأت عاصفة الحزم بشكل فاجأ الجميع، وانتهت كذلك بشكل ترك بعض الأسئلة معلقة وبلا جواب، بوقف العمليات العسكرية الكبرى مع بقاء اليد على الزناد واستمرار عمليات القصف ولو بوتيرة أقل، وعلى رغم أن عاصفة الحزم، في الظاهر لم تحقق بعد جميع أهدافها -فعلى الصعيد العسكري حققت الكثير، أما الأفق السياسي فلا يزال غامضاً، ومع ذلك فقد غيرت العاصفة دينامكية الأوضاع والتوازنات والتحالفات، وربما أسست لنظام عربي وإقليمي جديد يعيد التوازن المختل، ويبعد شبح الهيمنة والمواجهات، والأهم أنه يؤسس لمشروع عربي تكلمنا بحرقة طويلاً وعميقاً عن أهمية وجوده وتفاعله ودينامكيته

.

لطالما عانى العرب من فقدان توازن القوى وغياب القدرة على ردع خصومهم التقليديين، خاصة إسرائيل، والخصم الجديد إيران المتنمّر بقوته بسبب ضعف الطرف العربي. ما جعل إسرائيل وإيران، وإلى حد ما تركيا، وبالطبع الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا وكأنهم يشطبون العرب من معادلة التوازنات الإقليمية! ما زاد من انكشاف النظام الأمني العربي وجعله ضحية لأطماع وقرارات عواصم صنع القرار الدولي، خاصة واشنطن، وقوى التنمر الإقليمي في تل أبيب وطهران وأنقرة.

وهذا لا شك قاد لحالة من الإحباط والعجز العربي. فوقف العرب مكتوفي الأيدي وهم يتابعون الاحتلال العراقي للكويت، واحتلال إسرائيل لبيروت وحروبها العديدة على لبنان وغزة، وكذلك ضرب العراق وتونس والسودان. وتابع العرب بأسى أيضاً احتلال إيران للعراق وتحكمها في سوريا ولبنان وأخيراً اليمن، دون تحريك ساكن. وملأت إيران الفراغ الاستراتيجي، وتمددت في مناطق نفوذ العرب ليفاخر قادة الحرس الثوري الحاليون والسابقون بأن حدود إيران باتت تمتد إلى المتوسط لثالث مرة في تاريخها، وأنها تسعى لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية! ووصل صلف وغرور بعض قادة المؤسسة العسكرية والدينية والسياسية الإيرانية حد المفاخرة بسقوط أربع عواصم عربية في إسار الهيمنة الإيرانية وحلفائها، دون أي اعتبار للطرف العربي الذي بقي يتلقى الصفعات دون تحريك ساكن.. وبالطبع عندما تكون ضعيفاً فهذا يُغري خصومك باستغلال ضعفك، والتجرؤ للعب في ساحتك، وتهديد مصالحك. وهذا بات واقعاً.

وواضح أن عاصفة الحزم نجحت في تحقيق أهدافها العسكرية، ولا تزال مستمرة ولو بأقل وتيرة، تحت مسمى عملية «إعادة الأمل» التي تدمج العسكري بالسياسي. وقد دمرت العاصفة القدرات العسكرية والأمنية والدفاعية والهجومية ومراكز القيادة والسيطرة والصواريخ البالستية التي كانت بيد الحوثيين، وحلفائهم

.

ولعل أهم ما في تحولات الشهر الماضي كان تأكيد حقيقة الدور الفاعل والقيادي لدول مجلس التعاون الخليجي للنظام الأمني العربي، وهذا واقع منذ سنوات. وقد تمثل ذلك في جمع تحالف عسكري غير مسبوق بتركيبته من الدول المشاركة والداعمة والمؤيدة من المغرب إلى باكستان، والدول العشر المشاركة بتنفيذ العمليات العسكرية بمهنية في مسرح العمليات. والأهم الاستقلالية الكاملة للمرة الأولى عن الحليف والمظلة الأميركية. ويُضاف إلى ذلك نجاح المجموعة الخليجية في الأمم المتحدة في استصدار قرار أممي غير مسبوق، وتحت الفصل السابع هو القرار 2216 الذي يتمسك بالمبادرة الخليجية في اليمن، ويفرض عقوبات على قيادات الحوثيين، وعلي عبدالله صالح، ويفرض حظراً على تصدير السلاح للحوثيين، وهي ضربة لإيران، مع حصار جوي وبحري وبري، كما يؤكد شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، ويدعم عملية عاصفة الحزم. والملفت أن الجانب الروسي لم يستخدم «الفيتو» هذه المرة.

وفي عملية إعادة الأمل هناك أيضاً اعتراف دولي بقيادة السعودية ودول المجلس بالتعاون لمنع وصول السلاح للحوثيين والحصار الجوي والبحري والعمل الإنساني والإغاثي والسياسي، ما دفع الرئيس أوباما إلى أن يبعث برسائل واضحة لإيران، ويرسل حاملة الطائرات «روزفلت» لخليج عدن، وهذا إنجاز آخر مهم يُضاف لإنجازات دول مجلس التعاون بقيادة المملكة العربية السعودية

.

وفي اعتقادي أن أهم إنجازات عاصفة الحزم هو تأكيد قدرة دول مجلس التعاون الخليجي لأول مرة على الخروج من عباءة الحماية الأميركية، والاستقلالية والقيام بعمل عسكري دون المظلة الأميركية. وقد ترسخت العلاقة الاستراتيجية مع الدول الخليجية التي وصلت ذروتها في حرب تحرير دولة الكويت، وما أعقبها من توقيع اتفاقيات أمنية ثنائية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، وعقد صفقات بعشرات المليارات من الدولارات لتزويدها بأنظمة أسلحة متطورة. وتلى ذلك توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية. وهكذا ترسخت فكرة أن الخليجيين والعرب لا يمكنهم شن حرب، أو حتى الدفاع عن أمنهم القومي دون القيادة والموافقة والدور الأميركي. وهذا ما أسميه منذ سنوات «الأمن المستورد».

ولكن عاصفة الحزم غيرت هذا المفهوم. وهذا ما جعل الطرف الأميركي ينظر بإعجاب واستغراب لهذا التغير الاستراتيجي والمهني للحليف الخليجي، خاصة أن عقيدة الرئيس أوباما المرتكزة على القيادة من الخلف والصبر الاستراتيجي تعول على حلفائها في الشؤون الأمنية للمشاركة بالتكلفة والمهام العسكرية. فهل دخلت دول مجلس التعاون الخليجي مرحلة الاستقلالية وتشكيل توازن قوى إقليمي وخاصة مع إيران، لتشكل نواة مشروع عربي بقيادة خليجية تمهد للخروج من عباءة حماية المظلة الأميركية أم أن ذلك إغراق في التفاؤل؟!

About this publication