America and Shiite Majority Rule in Iraq

<--

ينبغي أن أوضح، أولاً، أن ما جرى تداولُه في الإعلام العربي عن مشروع قرار يعدّ له الكونغرس الأميركي للتعامل مع الكرد والسُنّة العراقيين بوصفهم يمثلون دولا مستقلة، ينبغي تمويلهم ودعمهم على هذا الأساس، ليس دقيقا. الصحيح أن مجلس النواب الأميركي كان يناقش موازنة الإنفاق الخاص بـ”الدفاع الوطني” لسنة 2016، والتي تتضمن بندا خاصا بالحرب على “داعش” (بالمناسبة، ليس هناك بند خاص بالعراق في هذه الموازنة)، بدعم العراق بنحو 715 مليون دولار.

رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس، النائب الجمهوري ماك تورنبيري، اقترح أن يذهب 25 % من هذا المبلغ، مباشرة، إلى ما يسميه “القوى السُنّية” والبيشمركة الكردية، وأن يُقيَّدَ المبلغ المتبقي ويُعلَّق على استجابة الحكومة العراقية لـ”شروط محددة للمصالحة السياسية”، ويُكلَّف وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان بمراقبة ما تنجزه الحكومة العراقية في هذا المجال، فإذا قرّرا أنها فشلت، فينبغي إيقاف هذا الدعم، ويُحوَّل 60 % منه إلى الكرد والسُنة، مباشرة. ولكي لا يتعارض هذا الدعم مع القيود القانونية الأميركية، التي تشترط توجيه الدعم الرسمي إلى دول، اقترحت المسودةُ التعاملَ مع الكرد والسُنّة بوصفهما دولتين.

بالتأكيد، ليس هناك إجماع أميركي على هذه الأفكار، ولا على شكل وحجم دعم العراق في الحرب على “داعش”. وإذا كانت هذه الأفكار متبناة من المؤسسة التشريعية الأميركية، إن لم نقل من طرف محدد فيها، فإن هذا لا يعني أنها مقبولة من الحكومة الأميركية. وقد أصدرت السفارةُ الأميركية في بغداد، بيانا قالت فيه إن المسؤول الأول عن السياسة الخارجية الأميركية هو الرئيس باراك أوباما، وأن مسودة الكونغرس لا تعبّر عن هذه السياسة.

لكن الصحيح، أيضا، أن هذه المسودة تعبّر عن ضجر أميركي عام من تلكؤ الحكومة العراقية (الشيعية، هنا) في دعم المقاتلين السُنّة، بل وعن رؤية أميركية عامة بأن الحكومة العراقية توظّف المساعدةَ العسكرية الأميركية على نحو طائفي، فتدعم بها فصائلَ “الحشد الشعبي” الشيعية، وتمنعها عن المقاتلين السُنّة. وقبل مدّة، كان التحالف على وشك اتخاذ قرار بتسليح مقاتلي العشائر السُنّية منفردا، قبل أن يصرف النظر عن هذه الفكرة.

هذه الأفكار ليست “مؤامرة أميركية لتقسيم العراق”، على نحو ما وُصفت في الحملة العراقية ضدها، وهي ليست حتى وصفة لفيدراليات ثلاث، على نحو ما فعل نائب الرئيس، جو بايدن، قبل سنوات، بل إنها امتداد لشكوك أميركية قديمة، ترجع إلى العام 2005، في أقل التقديرات، وقناعة متصاعدة بأن العراق ماض إلى إنتاج “دكتاتورية أغلبية”، أو نظام سياسي يتسم بطغيان الأغلبية. ويقصد، من هذا التعبير، فشلُ النخبة السياسية الشيعية في تجنب نزعة احتكارية، وبناء نظام سياسي يشرك السُنّة والكرد، بشكل جدي وفعال.

وفي تصوري، أن هذه الشكوك كانت إحدى أهم الهواجس السياسية الأميركية عن العراق، وكانت جملة من السياسات التي اتخذتها أميركا بشأن العراق تنطلق من مثل هذه الهواجس، بدءا بما حاول الأميركيون استدخاله على دستور 2005 لمنع نشوء دكتاتورية أغلبية (مجلس الاتحاد، مجلس السياسات العليا…)، مرورا بالتفسير الأميركي لظاهرة “داعش” بأنها نتاج أزمة النظام السياسي والسياسات الطائفية، وصولاً إلى هذه المسودة.

وحتى عندما دعم الأميركيون، في لحظة ما، المالكي، ووقفوا ضد مشروع سحب الثقة عن حكومته، العام 2012، فإنه كان يحكمهم هاجسُ التوازن بين معارضة السياسات الطائفية، والعمل على عدم اهتزاز المؤسسة السياسية العراقية.

ما أخطأ فيه الأميركيون، آنذاك، هو أنهم عدّوا استقرارَ المؤسسة السياسية العراقية أكثرَ أولوية من مواجهة السياسات الطائفية والضغط، أكثر فأكثر، في سبيل مؤسسة سلطة أكثر كفاءة في دمج المكونات المجتمعية، ولم يتنبهوا -للحظة- أن السياسات الطائفية هي وحدها ما سينسف المؤسسةَ السياسية بالكامل، وهو ما حدث في حزيران (يونيو) 2014، مع سقوط الموصل.

سنواتٍ ما قبل 2003، اقتنع الأميركيون بأطروحات بعض النخب الليبرالية الشيعية العراقية، بأنه لا ينبغي التعامل مع شيعة المنطقة بأنهم متماثلون ويسعون إلى مشروع واحد، وأن بإمكان الشيعة العراقيين أن يقدموا أنموذجا معارضا للأنموذج الإيراني، ولأنموذج حزب الله في لبنان، ليس فقط بإمكانية أن ينسلخوا عن “الراديكالية الشيعية” وتربطهم بالغرب علاقات مميزة، بل في إمكانية أن ينخرطوا في مشروع ديمقراطي. لكن هذا الرهان لم يفشل فقط، بل ها هم شيعة العراق يندمجون، شيئا فشيئا، بالخندق الذي تقوده الراديكالية الإيرانية، ويقتبسون معجمَها عن الغرب وأميركا.

وقبل سنوات، قرر أوباما، والأميركيون، الرحيلَ عن العراق ولعنته. ولكن، مع تحدي “داعش”، ها هم يواجهون هواجسَهم القديمة من جديد، وقد بدت الآن خطرا كونيا، لا شأنا داخليا فقط.

About this publication