وصل إلى موسكو امس الاربعاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي طلبا لمساعدات عسكرية عاجلة، فيما وصلت قوات الحشد الشعبي إلى خطوط التماس في الأنبار استعدادا لبدء المعارك املا في استعادة مدينة الرمادي التي سقطت في ايدي تنظيم الدولة قبل عدة ايام. ولعل زيارة العبادي دليل جديد على مدى غضبه ويأسه في آن تجاه الفشل العسكري والاستراتيجي الامريكي في العراق.
وفي غضون ذلك تتعرض الادارة الامريكية لانتقادات واسعة مع تكشف الابعاد الحقيقية للفشل الجديد لاستراتيجية الرئيس باراك اوباما في مواجهة تنظيم «الدولة». وسخر ساسة امريكيون من استخدام اوباما كلمة «نكسة» في وصف ما حدث من انهيار امني في محافظة الانبار، وشبه احدهم هذا التصرف بوصف بريطانيا لهزيمتها الشهيرة في معركة (دانكرك) ابان الحرب العالمية الثانية بـ «الانسحاب التكتيكي».
ما لم يقله هؤلاء ان اوباما ربما استفاد من ابداعات «القاموس السياسي العربي» في انكار الهزائم، عندما استخدم تعبير (النكسة) نفسه الذي اعتمده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للتقليل من اهمية الهزيمة الكارثية امام اسرائيل في العام 1967.
اما المفاجأة التي تثير اسئلة صعبة حقا، فهي ما أعلنه معهد دراسة الحرب في واشنطن، من «أن سقوط الرمادي كان من الممكن تفاديه»، مشيرا إلى انه «لا تنظيم الدولة الإسلامية ولا تنظيم القاعدة تمكنا في السابق من السيطرة على مدينة مهمة مدافع عنها بشكل فاعل من الولايات المتحدة وقوات محلية»، ومؤكدا في تلميح واضح إلى فشل ادارة اوباما: «هذا ما يحدث عندما تتبع سياسة من اجراءات منقوصة وقيود ومواقف، في مواجهة عدو ماهر ومصمم في الميدان».
ولا يمكن ان تهمل اي قراءة استراتيجية لسقوط الرمادي، المعطيات الخطيرة الي تحملها خاصة سواء على المستويين المحلي او الاقليمي.
ولعله من المنطقي ان يتساءل المراقب العربي ان كانت واشنطن التي فشلت في حماية مدينة صغيرة لكن مهمة مثل الرمادي من السقوط، ستكون قادرة او راغبة في التورط في معارك كبرى لحماية حلفائها الخليجيين من «خطر إيراني» حسب الوعود البراقة التي قطعها اوباما على نفسه في قمة «كامب ديفيد» مؤخرا؟
اصبح جليا ان ما عرف بـ «استراتيجية اوباما» لاحتواء تنظيم «الدولة» قد اثبتت فشلها مجددا في الرمادي، بما يجعل الاستمرار في الاعتماد عليها «خيارا انتحاريا» ينذر بسقوط بغداد نفسها، ثم تفتيت العراق إلى اقاليم او كانتونات تحكمها ميليشيات: البيشمركة، وتنظيم «الدولة» والحشد الشعبي، وغيرها.
وهكذا يسقط العراق في واقع متفجر قد تتضاءل امامه ما شهدته يوغوسلافيا من مجازر في التسعينيات من القرن الماضي، مع فارق اساسي انه لا يوجد (اتحاد عربي) سيبادر بالتدخل لاطفاء الحريق، كما فعل الاتحاد الاوروبي بالتعاون مع الولايات المتحدة حينئذ بعد ان تحولت البوسنة إلى حمام دم.
اما على المستوى الاقليمي، فان سقوط الانبار يفتح جبهة واسعة لتنظيم «الدولة» على الحدود السعودية والاردنية في تهديد مباشر وغير مسبوق لامن هذين البلدين، وخاصة بالنظر إلى ما يزعمه البعض من وجود حاضنة شعبية للتنظيم في بعض المناطق القبلية هناك.
ولايمكن لاي قراءة منصفة لكارثة سقوط الرمادي ان تنكر ان العرب يدفعون اليوم ثمنا لجريمة امريكية مزدوجة في العراق: غزو ادارة بوش الاجرامي، ثم الانسحاب غير المنظم الذي هو اقرب للهروب لادارة اوباما منه، قبل ان تشكل جيشا وطنيا حقيقيا قادرا على توفير الامن للعراقيين جميعا دون تمييز، تعويضا عن الجيش الذي قامت بحله في اعقاب الغزو. ولولا هذه الجرائم الامريكية لما ظهرت في العراق رايات سوداء او تنظيمات إرهابية او ميليشيات طائفية اختفت معها آخر ملامح الدولة او تكاد.
أما الانهيار الامريكي في الاقليم، والذي اصبحت الرمادي احدث عنوان له، فانه يحمل في طياته انصهارا سريعا للاوهام التي بنى العرب عليها استراتيجية الدفاع عن امنهم الاقليمي لعقود طويلة، ما قد يجعل العراق اول البلاد العربية التي يجري تقسيمها، لكن ليس آخرها.
You blame the U.S. for the battle within Islam that started a thousand years before the founding of the U.S.A. To name a few recents catastrophes, you ignore the extremist revolution in Iran, the Iran-Iraq War, and the invasion of Kuwait by Iraq, among many others.