Soft Power

<--

يشير الباحثون إلى أن أول من استخدم مصطلح «القوة الناعمة» كان جوزيف ناي الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ورئيساً لمجلس المخابرات الوطني، وأصدر كتاباً عن الموضوع، جرى النظر إليه، على أنه دليل إرشادات جديد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حين تخفق «القوة الصلدة»، أي قوة الدبابات والمدافع والبوارج وحاملات الطائرات، في تحقيق الأهداف.

القوة الناعمة، برأيه، سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال، وموارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إذا كانت تتمتع بالقدر الأدنى من الجاذبية، لكنه يرى أنه لا يمكن اختزال الأمر في الثقافة وحدها، لذا فإن المشروبات الغازية والوجبات السريعة لن تجتذب بالضرورة الناس في العالم الإسلامي حتى يحبّوا أمريكا، ولا الأجبان والمشروبات الفرنسية تضمن الانجذاب إلى فرنسا، ولا تضمن ألعاب البوكيمون لليابان النتائج السياسية التي تتمناها.

الكثيرون لم ينظروا إلى هذا القول ببراءة، ومنهم ميشيل فوكو الذي قال إن القوة الناعمة تتضمن إجباراً وإلزاماً غير مباشرين، تعتمد في ظهورها على القوة الخشنة أو الصلدة، وتقوم بأعمال تعجز القوة الصلدة عن القيام بها.

المفكّر تزيفتان تودوروف حاول أن يذهب بهذا المفهوم نحو مضامين إنسانية، إن صحَّ القول، في كتابه: «أعداء الديمقراطية الحميمون»، ذلك أن قوة أي دولة أو مجموعة دول لا تتحدد بالقوة العسكرية، بل بتكامل مجموعة من العوامل كالقدرة على التأثير وتعزيز القيم، والقوة الجاذبة، والتحلي بسلوك الإقناع بدل الإلزام، والحوار بدل الإكراه والجذب بدل التحريض.

عوامل القوة الناعمة يجب أن تكون، برأي تودوروف، هي القيم السياسية وكيفية تطوير سياسة التعاون البنّاء القائمة على تعدد الأقطاب، وتمثل القوة الناعمة حقيقة جوهرية ذات رسالة كونية ينبغي تقديمها للعالم، وتتطلع إلى فرض نفسها على العالم كسلطة أخلاقية عن طريق سياسات التعاون، الدبلوماسية الوقائية، وأيضاً المساعدة على الإنماء والتطور، ويكمن التأثير في: إنتاج المعايير، وتنظيم العولمة، وفي نهج مقاربة العلاقات الدولية التي تنتصر للقانون والنظام بدلاً من سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة.

لم تؤد الدعوات إلى القوة الناعمة إلى تراجع عن القوة الصلدة، بل إن الدبلوماسية ذاتها، كوسيلة ناعمة، يمكن أن تكون أكثر عدوانية من أي قوة صلدة، والحماية السياسية التي يؤمنها الغرب للنهج العدواني الصهيوني أكبر دليل.

About this publication