American Realism

<--

من يعرف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية يدرك جيداً أن واشنطن عندما ترغب في الاستدارة أو البحث عن طريق العودة من أمر ما تهيّئ له المناخات المناسبة لكي تظهر وكأنها هي من حلّت المشكلة وانتصرت،

تحت عنوان «الواقعية» أو البراغماتية كما يحلو للسياسيين أن يَصفوها، وإلا فإن الأمر يبدو في غاية الصعوبة على أي حكومة أمريكية أمام الرأي العام لديها، والتي تكذب عليه آلاف المرات يومياً…‏

قبل أيام طالعنا خبر بأن غارة أمريكية على منطقة الشدادي في ريف الحسكة قتلت مسؤولاً في «داعش» من جنسية عربية، وأن هذا الإرهابي هو المسؤول عن التفخيخ وجلب المتفجرات واستلام الأسلحة من ليبيا وتسهيل عبور المسلحين إلى سورية و و و….‏

كل هذه الأعمال القذرة يقوم به إرهابي واحد، والولايات المتحدة الأمريكية قتلته!!‏

واشنطن تريد القول من خلال تسريب هذا الخبر أن هناك شيئاً ما قد يحدث لوقف تدفق الإرهابيين والأسلحة إلى سورية بعد هذا الزمن الرديء من عمر الحرب على سورية، وذلك بفعل ضربات الطائرات الأمريكية لتنظيم «داعش» الإرهابي، أي أنها صاحبة السبق في التهيئة للقضاء على الإرهاب في المنطقة.‏

وتأتي تلك القصة مع نشر واشنطن لتكاليف الحرب اليومية على الإرهاب والتي بدأت في آب الماضي حين تحالفت الولايات المتحدة مع نحو ستين دولة معظمهم دعموا الإرهاب وموّلوه وسلّحوا ودرّبوا مرتزقته وقد كلّفت الطلعات الجوية حتى الآن ثلاثة مليارات دولار حسب البنتاغون في محاولة أخرى لابتزاز مملكة الوهّابيين ومن معها من أصحاب العروش والكروش باعتبارها حامية لعروشهم المهتزّة وإلا…‏

إن تصدّع عرش مملكة الشرّ الوهّابية من الإرهاب الذي أسهمت في صنعه بدأت شظاياه تصيبه في مدن القطيف والدمام وآخرها في الطائف، وتورطه في حرب قذرة على اليمن التي سهّلت لها واشنطن القيام بها لتُغرقها في مستنقع لن تخرج منه إلا وهي مستسلمة للإرادة الأمريكية استسلاماً تاماً، بعد مرحلة من «التمرد» حاولت من خلالها أن تظهر وكأنها صاحبة قرار مستقل وخاصة فيما يتعلق بمباحثات إيران حول برنامجها النووي السلمي مع الدول العظمى، وقد شجعها على تمرّدها الشيطان الإسرائيلي والمبتز الفرنسي.‏

كل تلك العوامل جعلت مملكة الوهّابيين تسعى باتجاه إيجاد مخارج مشتركة لمحاربة الإرهاب في المنطقة وقد اتضح ذلك في توسطها لدى روسيا بناء على موافقة واشنطن حتماً، وهذا لن يعفيها من دفع ثمن تمردها على البيت الأبيض الذي سيكون أكبر من الأثمان الأخرى التي يمكن أن تدفعه الأنظمة الأخرى المرتبطة بها، والتي تحاول بين الفينة والأخرى إظهار تمردها والعمل دون إذن واشنطن، مثلما حاولت تركيا أن تفعل في مسألة الحشد العسكري التركي على الحدود السورية والتلويح بالدخول في حرب برية أو إقامة مناطق عازلة لا تعرف إلى أين ستؤدي نتائجها إذا نفذ أردوغان المجنون سياسة شمشون بعد خسارة حزبه بالانتخابات البرلمانية التركية، والتي كانت نتائجها ضربة قوية على رأسه وقد تراجعت سريعاً مصرّحة أن تحركها نحو الحدود هو لحماية أراضيها فقط.‏

ومن المعروف أن الأنظمة المرتبطة بواشنطن المتمردة منها والمطيعة لا تستطيع أن تتحرك خطوة واحدة إلى الأمام أو إلى الخلف في أي معركة تفتحها أو ترغب في إغلاقها إلا بإيعاز من السيد الأمريكي، وليتعلموا من واشنطن كيف يمهد للاستدارة، أو للتعامل بـ ((واقعية)).‏

About this publication