Obama and His Grandmother Lucy

<--

أوباما وجدَّته “لوسي”

مع أننا نادراً جداً ما استطعنا أن نضعها جانباً؛ لكنني لو استطعتُ وضع مواقفه من القضايا العربية، وفلسطين تحديداً، جانباً، فأنا من المعجبين بالرئيس الأميركي أوباما، ولم أستطع حتى الآن أن أكوِّن جوّاي تلك الشحنة من القهر والحقد تجاهه؛ التي كانت دائماً ما تتكوَّن لدَيّ ضد أي رئيس أميركي قبله.

فانا لا أستطيع ان أنظر لهذا الرجل الأسود ابن العِرق المقهور بمعزل عن تاريخ او “تواريخ” نضالاته العِرقية، وبمعزل عن أجداده مارثن لوثركنغ ووليم دوبويس، ونلسون مانديلا، وعن نضالات الأفارقة في أوج خمسينيات وستينيات القرن الماضي، التي تكومَّت على أطرافها تلال عالية من الجثث الملوَّنة لمجرد أن أصحابها لم يحظوا باللون “الفاتح “!

تواردت لديَّ هذه المشاعر، التي خِفت من إعلانها، الأسبوع قبل الماضي وأنا أرى الشاب الأسود يعود لبلدته الأصلية “كوجيلو” ويتناول العشاء مع جدته واخوته وعدد من أفراد عائلته في كينيا، واعداً إياهم “في المرة القادمة، لن آتي مرتديا بذلة”. فيما قال للصحفيين أنه “حين أصبح مواطنا عاديا، ستكون لدي حرية أكبر لإعادة التواصل”.

لا تستطيع وأنت تطالع الصفحات المدمَّاة من ذلك التاريخ أن تكتفي ببعض الشفقة، والعطف على شعوب كاملة دفعت ثمن “لونها”، واستضعفت، و”استعبدت” من أصحاب العِرق الفاتح، فالأمر أكثر فداحة من صراع بين شابين مُختلفي اللون على ناصية حيّ للسود، يحدث غالباً، وغالباً ما يقتل فيه الشاب الأسود !

لكنه يتعلق بحضارات وإرث وتواريخ جمعية وشخصية اندثرت تحت ناطحات السحاب وربما يكون بعضها تحت “البيت الأبيض” نفسه !

يستحق إذاً، ابن “الأقلّيات”، الإعجاب، فقد حقَّق انتصاراً باهراً ومجيداً حين اعتلى عرش أكبر وأعتى دولة في العالم، وأكثرها شراسة حين تعلَّق الأمر بمناهضة السود.

و”الأقلّيات” ليست دائماً هي الأقلُّ عدداً بالضرورة، لكنّها التي وقع عليها حيفٌ وظلمٌ جعلاها خارج منظومة الفِعل والتأثير.

أحد أهداف زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة لأفريقيا كان”أن يتواصل مع قارة جدوده”.

وقابل أوباما نوعا مختلفا تماما من أجداده إذ التقى مع “لوسي” وهي عظام لأجزاء من هيكل عظمي بشري يرجع عهدها إلى 3.2 مليون عام عثر عليها في إثيوبيا. ودعي أوباما إلى لمس واحدة من عظام الهيكل وهو أمر لا يسمح به عادة إلا للعلماء، لكنَّه هنا كان بمثابة مصافحة بين الجدّ والحفيد، بين سلالتين أولاهما انقرضت تحت وطأة الجَلد والاستعباد وأخرى انتصرت على عقدة اللون، وعلى الجلاد.

وقال أوباما للحاضرين في العشاء الرسمي “حقا قابلت لوسي… أقدم أسلافنا.”

وأضاف وسط تصفيق الحاضرين “عندما نرى جدتنا… نتذكر أن الإثيوبيين والأميركيين وجميع وكل شعوب العالم جزء من العائلة البشرية… جزء من السلسلة ذاتها”.

زيارة الحفيد الملوَّن لبلاده الأصلية وهو زعيم أكبر دول العالم لم تستطع ان تخفِ لمعة عينيه وهو يُسلِّم على أخته وجدّته، كان مجرد فتى يلتقي عائلته، كان حميما ودافئاً وهو يتحدث عن جذوره، ووفيَّاً أيضاً.

About this publication