Omar Mateen and the Culture of Violence

<--

عُمَر متين وثقافة العنف

مع أنّه أعلن ولاءه لـ «داعش» على الهاتف أثناء الهجوم الذي شنّه على نادي «پَلْس» للمثليين في أورلاندو، إلا أن المعلومات التي رشحت عن عمر متين وعن عمله وتاريخه الشخصي في الأسبوع الذي أعقب الهجوم تشير إلى سلالة عنف أخرى، وإلى ظاهرة أصبحت مألوفة، للأسف، في الولايات المتحدة وهي القتل الجماعي. وتستدعي هذه الأخيرة عدداً من الأسئلة عن ثقافة العنف المتصاعدة في الولايات المتحدة نفسها وعن الجرعات التي ضختها فيها الحروب المستمرة التي تشن في إطار «الحرب ضد الإرهاب» وتمظهراتها، وارتكازها، كذلك، على ذكوريّة يحرّكها رُهاب من آخر تراه تهديداً لوجودها. كما تعيد فتح الجدال عن علاقة إشكالية، إن لم تكن مرضية، بالسلاح وبحقوق حمله، تصبح فيها حرية شراء وحمل السلاح التعبير الأقوى عن الحرية الفرديّة وعن الهوية القوميّة المحافظة. تتصدّر الولايات المتحدة العالم من حيث نسبة حيازة الأفراد للأسلحة، إذ يملك المدنيون في أميركا 270 مليون قطعة سلاح. ويتمّ التشبّث بهذه العلاقة والدفاع عنها سياسياً وإعلامياً بلوبي هو الأقوى في واشنطن.

سيستسهل الفهم السطحي المتسرّع وضع متين في خانة «داعش» أو «الراديكالية الإسلامية» أو غيرهما، لكنّه ينتمي، وبغضّ النظر عن الولاء المتأخّر وعن اسمه، إلى سلالة وتاريخ عريقيْن (والأصحّ مشينيْن) من العنف الأميركي الذي يُقترف ضد المدنيين في الأماكن العامّة. والأقليّات، وبالذات المثليين، هدف مفضّل لنسبة كبيرة من هذه الهجمات. من الجدير بالذكر أن ثلث جرائم القتل الجماعي التي ارتُكبت بين 1966 و2012 في العالم بأسره وقعت في أميركا، مع أن نسبة سكان أميركا هي 5 في المئة من سكان العالم. كان لافتاً إسراع معظم وسائل الإعلام الأميركية إلى الإعلان بأن هجوم أورلاند هو الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة. ولكن هذا غير صحيح البتّة والأمثلة كثيرة. على سبيل المثال، قتل التفجير الإرهابي ضد دائرة فيدرالية في أوكلاهوما العام 1995 168 شخصاً. ولعل إثنية مقترفه، الذي أعدم العام 2011، تدفع إلى تناسيه أو تغييبه عند الحديث عن الإرهاب المحلّي. فقد كان تيموثي مكڤي، رجلاً أبيض، ولم يكن مسلماً. وكان قد شارك في حرب الخليج العام 1991 وقتل الكثير من الجنود العراقيين وشاهدهم يُدفَنون أحياء في الصحراء أو تأكل جثثهم الكلاب.

وليس متين بعيداً عن ثقافة الحرب، فقد كان قد عمل لتسع سنوات مع شركة «جي فور إس» العالميْة سيئة الصيت. وهي واحدة من الشركات العالمية الضخمة التي توفّر «الخدمات الأمنيّة» والمرتزقة، والتي ازداد سوقها واستخدامها بعد الحادي عشر من أيلول وبعد احتلال العراق الذي تمّ استخدام الشركات الخاصة فيه من قبل الجيش الأميركي. والكل يتذكّر شركة «بلاكواتر» والجرائم التي اقترفتها هناك. «جي فور إس» من الطراز نفسها، فمن بين العقود التي حصلت عليها هي إدارة معتقل غوانتانامو، كما أن لديها عقوداً مع سجون الاحتلال الإسرائيلي. هناك قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبها موظفوها والتي أدت إلى قتل محتجزين وأطفال. وللشركة عقود وحضور في ولاية فلوريدا، حيث تدير ثلاثين مركزاً للأحداث، وقد وثّقت جرائم عدة ارتكبها موظفوها ضد الأطفال.

هذه هي «ثقافة عمل» (وهو مصطلح يتم تداوله) الشركة التي عمل فيها متين الذي ينتمي إلى ثقافة العنف الأميركي قبل كل شيء.

About this publication