The Orange Spring: America in Caracas

<--

الزيارة التاريخية التي قام بها باراك أوباما إلى هافانا، لا يمكن لتأثيرها أن يتوقف عند حدود الأرخبيل القريب من السواحل الأمريكية، ذلك أن سياسة الاحتواء التي نجحت في ترويض الأسد الكوبي، لا يمكن أن تتوقف، قبل أن تروض بقية المردة في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة. ويبدو أن انقلاب الموازين في البرازيل، وقبول الجبهة الثورية في كولومبيا بتوقيع اتفاق سلام، واندلاع سباق السيطرة على الشارع في فنزويلا، هي كلها حلقات من مسلسل وحيد هو ربيع كراكاس البرتقالي.

معركة السيطرة على الشارع في العاصمة الفنزويلية، كاراكاس، انطلقت بين مؤيدي الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، الوريث الشرعي للرئيس الراحل هوغو شافيز، وبين المعارضة الليبرالية التي تريد خلع آخر جبّة لليسار الثوري في دول أمريكا اللاتينية. المعارضة الفنزويلية ترفع شعار تنظيم استفتاء من أجل عزل الرئيس مادورو، والأنصار يريدون الدفاع عن نظام اعتبروه حامياً لهم من جشع الشركات الرأسمالية التي ظلت تنهب ثروات بلادهم عقوداً طويلة، قبل أن يسترجعها الرئيس الراحل هوغو شافيز. وبين رغبة الطرفين تعيش فنزويلا إحدى أكثر اللحظات التاريخية اضطراباً، ولن يهدأ هذا الحراك قبل أن يبلغ كل طرف تحقيق طموحاته.

المعارضة الليبرالية المدعومة، من دون أدنى شك، من الولايات المتحدة ترغب في قلب الطاولة سريعاً، قبل نهاية العام الحالي، حتى تتمكن من عزل الرئيس وتنظيم انتخابات جديدة ستغير المشهد السياسي في العاصمة كاراكاس. المعارضة ترفع أوراقاً من قبيل الانهيار الاقتصادي الناتج عن تراجع مداخيل النفط التي تعتبر الدخل الرئيسي الوحيد لميزانية الدولة، وعدم وجود مبادرات للقطاع الخاص، وعدم تشجيع الاستثمار. كما ترفع المعارضة ورقة نقص المواد الغذائية كحجة لبيان عجز الحكومة عن توفير أبسط حاجات الشعب. الأوضاع الاقتصادية ساهمت في تدهور شعبية الرئيس مادورو إلى مستويات ضعيفة جداً، والمعارض المدعومة خارجياً تزداد قوة، وإصراراً على «التغيير» الذي تعتبره طريقاً لا مناص منه للإنقاذ البلد. وأما تشبث مادورو بمنصبه ضد من يعتبرهم «عملاء الخارج»، فإن الأسابيع المقبلة ستكون ساخنة جداً في العاصمة كراكاس. ولعل ما نعيشه في الوطن العربي منذ خمس سنوات، هو أحد أقوى الحجج عما يمكن أن تذهب إليه مراكز القرار الدولي، عندما يتعلق الأمر برغبتها في التغيير.

سياسة الاحتواء والتطهير من الأنظمة اليسارية في أمريكا اللاتينية، بدأت، ولعل التقارب الكوبي الأمريكي لم تلتقطه الأحزاب اليسارية، كنقطة تحول فارقة في تاريخ المنطقة. وهذا الفهم القاصر للتحولات الكبرى قد يضيع عليها فرصة الاندماج في مسار تشاركي تحافظ فيه على موقع مهم في المشهد السياسي المستقبلي. ولنعد بالذاكرة قليلاً إلى إلى الوراء حتى نفهم طبيعة هذه المتغيرات. ففي سنة 2009، زار أوباما القاهرة، وألقى خطبة مطولة في جامعة القاهرة، ووقع اختيار عنوان، لم يدرك المراقبون حقيقته إلا عندما بدأ الحديث عن ربيع عربي.

والحقيقة أن التوجه الجديد للبرازيل سيضعف النظام الاشتراكي في فنزويلا، حيث سيتراجع الدعم الاقتصادي، والتعاون بين البلدين. والجبهة الثورية الكولمبية «فارك»، وهي جبهة يسارية ستضع سلاحها بعد خمسين سنة من النزاع مع السلطات الكولمبية، بعد توقيع اتفاق سلام ينهي الحرب، وسيصوت عليه الكولمبيون في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وبحسب استطلاعات الرأي فإن الناخبين سيصوتون لمصلحة الاتفاق بنسبة تصل إلى 67 في المائة. ما يعني الرغبة الجامحة في وقف الاقتتال الداخلي، وفي التوجه نحو بناء كولومبيا الجديدة.

الأيام التي سيقضيها الرئيس مادورو ستكون صعبة، لأن اللعبة صارت مفتوحة على كل الاحتمالات. ولأن الولايات المتحدة مصممة على إسقاط النظام الاشتراكي، فإنها ستستعمل كل الأدوات القذرة. ليس لأن النظام الاشتراكي، هو غير مفيد لفقراء فنزويلا، بل لأن هناك رغبة في محو آثار الاشتراكية في حديقة أمريكا الخلفية.

About this publication