غادر الرئيس محمود عباس الأراضي الفلسطينية وهي تموج في انتظار لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (يفترض أن يكون قد تم يوم أمس). فمن جهة، يكون قد انقضى على إضراب الأسرى في السجون «الإسرائيلية» عن الطعام أكثر من أسبوعين، في ظل المحاولات «الإسرائيلية» لإفشال الإضراب وكسر إرادة المضربين. ومن جهة ثانية، تستمر السلطة الفلسطينية في عقوباتها وإجراءاتها ضد قطاع غزة وحركة (حماس)، بينما تعلن الحركة وثيقتها السياسية الجديدة.
منذ حصلت منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر قمة الرباط (1974) على الاعتراف العربي بأنها «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، ثم بالاعتراف الدولي مع خطاب ياسر عرفات في العام نفسه في الأمم المتحدة، كثر التغني ب «القرار الوطني الفلسطيني المستقل». وبعد عقدين من ذلك الإعتراف و«القرار الوطني المستقل» وصلت منظمة التحرير إلى (اتفاق أوسلو 1993) الذي تم بموجبه التخلي عن 78% من أرض فلسطين وعن «القرار المستقل»، وانتهى الأمر إلى «التنسيق الأمني» مع العدو، وإلى (الانقسام) على الذات وقيام «كيانين» كلاهما يخضع من الناحية العملية لإرادة غير الإرادة الفلسطينية، ولقرار غير القرار الفلسطيني! وخلال العقدين المذكورين ارتهنت القضية الوطنية الفلسطينية لما يسمى «قرارات الشرعية الدولية»، وللسياسة الأمريكية عبر ما يسمى «عملية السلام في المنطقة» التي رعتها وأشرفت عليها الولايات المتحدة، وكان الرهان على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والآن يستمر هذا الرهان على إدارة ترامب، بالرغم من انحياز هذه الإدارات السافر للعدو.
تزامن لقاء عباس – ترامب مع تصعيد مستهجن مارسته فجأة السلطة الفلسطينية في وقت كان الحديث يدور عن «جولة تفاوضية» جديدة كان يفترض أن تعقد في العاصمة القطرية بين حركتي (فتح) و(حماس)، وبدلاً من ذلك انطلقت التهديدات من السلطة الفلسطينية وحركة (فتح) ولحقت الإجراءات العقابية، من وقف تزويد محطات الكهرباء بالوقود، ووقف دفع تكلفة تزويد القطاع بالماء، ووقف أو تخفيض رواتب أعضاء حركة (فتح)… الخ، وفي النهاية جاءت المطالبة بتسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية من دون قيد أو شرط وإلا فيمكن أن تعلن السلطة القطاع «إقليما متمردا» وحركة (حماس) «منظمة إرهابية» كل ذلك تحت عنوان (إنهاء الانقسام)، ما أثار الأسئلة حول هذه «الصحوة» المفاجئة للسلطة، ولماذا لم تفكر بها طوال عشر سنوات انقضت على وقوع الانقسام وبدء سيطرة (حماس) على القطاع!
السبب المعلن لموقف السلطة الفلسطينية الجديد من القطاع وسلطة (حماس) وضع تحت عنوان تشكيل حماس لجنة إدارية للقطاع«اعتبرتها السلطة بديلاً عن الحكومة الفلسطينية «الموحدة»، لكن كان من المراقبين، فلسطينيين و«إسرائيليين»، من رأى فيها «مهراً» يقدمه عباس لترامب (كما جاء في مقال للكاتب «الإسرائيلي» تسفي بارئيل في صحيفة هآرتس)، تدليلاً على «محاربة السلطة للإرهاب»، ورداً على «ادعاءات» الحكومة «الإسرائيلية» بأنه «لا يوجد شريك فلسطيني لصنع السلام وبأن عباس لا يمثل كل الفلسطينيين»! لكن السياق الذي جاءت فيه عقوبات السلطة الفلسطينية وإجراءاتها ضد القطاع أشارت إلى أن الذين أقاموا علاقة بينها وبين اللقاء في البيت الأبيض لم يخطئوا التقدير، خصوصاً أن عباس منذ فرضته الولايات المتحدة أول رئيس للوزراء على الراحل ياسر عرفات، لم يغير خياراته بالرغم من الفشل الذي لقيته هذه الخيارات. وفي تصريح للناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة عشية اللقاء تصديقاً وتأكيداً على هذا القول، حيث قال: إن لقاء البيت الأبيض مهم، وقد يحدد المسار لسنوات قادمة!
من جهة أخرى، جاء الإعلان عن «وثيقة حماس الجديدة» قبل ثمان وأربعين ساعة من لقاء ترامب – عباس، في مؤتمر صحفي عقده مساء الاثنين الماضي رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل، الذي قد يكون هذا الإعلان آخر مهامه في المنصب قبل معرفة خليفته، ليشير إلى أن التنافس العبثي بين الحركتين أوصلهما إلى ضياع القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي أكدت عليه الوثيقة، وأصبح يعني تنافسهما على إثبات من هو (الأجدر) للسير في الركاب الأمريكي! وبالرغم مما جاء في الوثيقة الجديدة من تأكيد على «الثوابت الوطنية» وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني والتمسك بالمقاومة وتحرير فلسطين، إلا أن الحركة أعربت عن استعدادها لقبول «دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وفقا للقانون الدولي» !!
من المنطقي افتراض أن تكون نتائج اجتماع ترامب – عباس جزءاً من «الصفقة الكبرى» التي تحدث ترامب عنها كثيراً، ومن «الحل الإقليمي» الذي قد تظهر بعض معالمه عندما يصل ترامب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أسبوعين ليلتقي نتنياهو وعباس.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.