كتبت عدة مقالات في جريدة “القدس” حول المواقف الأميركية قبل زيارة الرئيس دونالد ترامب، الى أراضينا المقدسة، والتي كانت سياحية بامتياز، ولم يكن لها أي بعد سياسي بارز، رغم ان البعض علق عليها آمالا كبيرة، وكان ومازال يتأمل بأن سياسة ترامب حول قضيتنا ستتغير عالى ضوء زيارة الرئيس محمود عباس الى واشنطن، علما ان سياسة واشنطن تراجعت بشكل كبير عما كنا ننتظر بعد اتفاق اوسلو التاريخي، الذي لم ينفذ المحتل اي من بنوده الجوهرية الا ما ينسجم مع مصالحه مثل التنسيق الأمني، الذي اصبح الان من الماضي .
وكل صباح يطلع علينا الاحتلال بقرار أو قرارات جديدة تجعل من المستحيل التعايش مع هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، بسبب مواقفها وممارساتها وخاصة ما يتعلق بالمساس بالاماكن المقدسة وآخر هذة القرارات السماح لوزراء الاحتلال ونواب الكنيست بالدخول للاقصى وشرعنة الاقتحامات الاسرائيلية اليومية، وهو ما يعتبره المسلمون جميعا تدنيسا لواحد من اهم الاماكن الاسلامية. ثم تلا ذلك ما قامت به حكومة نتينياهو متذرعة بعملية باب الاسباط، باغلاق الاقصى امام المصلين واقتحامه وتفتيش مختلف باحاته ومبانيه ومصادرة وثائق ومستندات تاريخية، مع ما رافق ذلك من اجراءات اهمها الاعتقالات لحراس الاقصى ووضع اجهزة الفحص على مداخله وغيره منم الاجراءات التي شكلت مسا بالمسلمين وبمبدأ حرية العبادة كما مست بحرمة الاقصى.
وبهذا العمل يكون نتنياهو قد ألغى الاتفاقية الموقعة مع الأردن من طرف واحد.
اعتقد الشعب الفلسطيني بعد توقيع اتفاقيات اوسلو بأنه سينتزع الاستقلال في عام ١٩٩٨، لان اتفاقية اسلو الموقعة في البيت الأبيض حددت خمس سنوات لإنهاء الاحتلال ولكن مع الأ سف لم تحترم لا امريكا ولا اسرائيل هذ الاتفاقية التي وقعت عليها.
وبعد انتهاء ولاية الرئيس بيل كلنتون جاء الجمهوري بوش الابن ومن ثم باراك اوباما، الذي وعدنا في خطابه الشهير بالقاهرة بأن الاستقلال على الأبواب، ولكنه شطب كل ما وعد به الشعب الفلسطيني . والان نعيش مع السيد ترامب الذي هو غارق في المستنقع الاسرائيلي، وعين غالبية مستشاريه من اليهود الداعمين للاحتلال والاستيطان.
بعد زيارة ترامب الى الرياض ومن ثم اجتماعة مع قادة دول الخليج العربي ومن ثم مع قادة الدول الاسلامية وتأمل منه البعض بان تسفر هذه الاجتماعات عن اختراق أمريكي يوحي بأن الادارة الجديدة اصبحت قادرة على الضغط على الطرف الذي لا يهتم بأي قرار دولي. ولكن الرئيس ترامب غادر كما أتى، اي لاشيء الا ترحيب سياحي حافل من قبلنا .
وبعد هذة الزيارة بثلاثة أسابيع أرسل ترامب زوج ابنتة كوشنير، الذي اجتمع اولا مع نتنياهو الذي املى عليه ما يريده الاحتلال من طلبات جديدة لينقلها للجانب الفلسطيني وهي طلبات لا علاقة لها بالقضايا الاساسية مما ولد القناعة لدى الجانب الفلسطيني بعدم وجود اي بادره حقيقية لصنع السلام مع محتل لا يعرف ما هو السلام، بل اصبح يركز على مطلب قطع رواتب عائلات الشهداء والاسرى، وكأن مقاتلي الحرية اصبحوا قطاع طرق أو مجرمين .
ومن ثم اجتمع مع الرئيس محمود عباس بدون اي طرح من الادارة الأميركية للبدء بمحادثات جدية لإنهاء الاحتلال، وحتى انه لم يبلغ السلطة الشرعية بأي اجندة تريد الادارة الجديدة تنفيذها للبدء في هذه المحادثات . بل بالعكس جاء ليملي علينا ما طلبه منه نتنياهو اي الموافقة على قطع الدعم المالي لعائلات الشهداء والاسرى عدا عن تبني اسطوانة الاحتلال المشروخة حول ما يسمى بـ”التحريض الفلسطيني”، و من ثم عاد الى واشنطن . مما جعل المحتل يتمادى بسياساتة الاستفزازية مثل ما نرى يومياً من مصادرات الاراضي والموافقة على بناء المزيد من المستعمرات المسلحة في الضفة الغربية، وأخيرا السماح للوزراء وأعضاء الكنيست باقتحامات متكررة للمسجد الاقصى ، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على سخافة وجهل الادارة الجديدة بقضيتنا المقدسة.
وعلى ضوء جسامة التحديات التي يفرضها الاحتلال وهذا الانحياز الاميركي لاسرائيل لا بد لزعامة غزة وزعامة الضفة ان يقدما تنازلات لانهاء هذا الانقسام البغيض ووضع سياسة فلسطينية محددة لتحقيق اهداف شعبنا المشروعة. فلا امريكا او اوروبا او روسيا تستطيع إيجاد حلول واقعية لإنهاء هذه الأزمة، التي اصبح تأثيرها كارثيا عالميا .
صحيح اننا لا نمانع أبدا بان يكون من ضمن المبعوثين الأمريكيين يهود ولكن يجب ان يحترم هؤلاء الحقوق المشروعة لشعبنا وكذلك القانون الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، من أمثال السيد ساندرس مرشح الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الاخيرة .
الشعب الفلسطيني لم يعد تنطلي عليه تصريحات مكررة مثل الالتزام بعملية السلام او اللقاءات والاتصالات المعمقة مع الوسيط الاميركي الذي لم نر من جهوده ما هو ملموس على الارض غير التصعيد الاسرائيلي والصمت الاميركي ازاء ذلك .
ما من شك فان الشعب الفلسطيني يثمن ما قامت وما تقوم بة السلطة الشرعية من تثبيت الحقوق الفلسطينية خاصة حق شعبنا في اقامة دولته على ارضه فلسطين وما قامت به من بناء ما تتطلبة الدولة العتيدة، ولكن مع الاسف لم تستطع اجبار المحتل للانصياع لتنفيذ اي من القوانين او القرارات الدولية والتي وقعت عليها امريكا وايضا وقع عليها الاحتلال .
نحن ما زلنا نتعامل مع وسيط أمريكي ليس لديه الجرأة كي يقول الحقيقة خوفا من غول اللوبي الصهيوني في واشنطن، حتى ان مجلس النواب الامريكي داس على الدستور الامريكي بعد ان كان يتباهى بأنه حامي الديمقراطية وحقوق الانسان .
لقد رضينا بوجود دولة اسرائيلية على ارض فلسطين التاريخية في تنازل كبير ومؤلم، واعترفنا بهذه الدولة مقابل اعترافها بحقوقنا الوطنية، كي يعم السلام ليس في فلسطين فقط ولكن في محيطنا العربي، وبهذا السلام نقضي على جميع المنظمات الإرهابية والتي تُمارس الاٍرهاب بحجة القضية الفلسطينية.
البعض كان يعتقد بان السيد ترامب يتأخر في طرح مبادرتة السحرية لحل قضيتنا المزمنة لانه يريد ان تكون هذه المبادرة مقابلة للتطبيق فاذا بنا نفاجأ بان الحل السحري الموعود يبدأ بإدانة نضالنا العادل وتحويل شهدائنا واسرانا الى مجرمين .
ان عدم اعلان السيد ترامب عن دعمه لاقامة دولة فلسيطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧ يعزز الشكوك بأن ما يحاك في الخفاء، ربما يكون شطب الدولة فلسطينية وإلحاق ما تبقى من الضفة بالأردن وغزة بمصر مقابل إغداق مالي لا حدود لة لإسكان اللاجئين. وطبعا هذا لن يمر، لان اي زعيم فلسطيني لايقبل بذلك وكذا شعبنا والاردن الشقيق ومصر الشقيقة .
ان السلطة الوطنية الشرعية قد صبرت على الممارسات الاسرائيلية اعتقادا منها بان الادارة الجديدة لا بد لها ان تعي وتفهم بان المحتل هو المذنب، لا ان تتبنى مطالب الاحتلال وتنقلها عبر مبعوثيها المنحازين لاسرائيل.
جميع رؤساء امريكا السابقين ومنهم من غلاة الجمهوريين المؤيدين لسياسة الاحتلال الاسرائيلي قالوا بالفم المليان بان جميع المستعمرات التي بنيت على الاراضي التي احتلت في العام ١٩٦٧ هي غير شرعية، ولم يستطع اي من هؤلاء الرؤساء الضغط على المحتل للبدء في محادثات جادة تنهي هذا الاحتلال الذي مضى عليه خمسون عاما.
هذا ممكن اذا رغبت امريكا فعلا بحل القضية الفلسطينية وبالتي ستساهم في حل جميع قضايا الأمن في العالم اجمع، اما اذا بقيت الإدارات الامريكية المتعاقبة اسيرة اللوبي الصهيوني فعلى السلطة ان تسحب اعترافها باسرائيل وتدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته.
نحن نقول للمحتل بان الوقت قد حان لوقف سفك دماء اليهود والفلسطينيين، وحان الوقت كي نجلس وننهي ماساة استمرار الاحتلال.
لقد قلنا ونعيد القول انه لا ألطرف العبراني يستطيع الغاء الطرف الفلسطيني ولا الطرف الفلسطيني يستطيع الغاء الطرف اليهودي من الخريطة ، ولا داعي لاطالة الحالة الكارثية التي لا تخدم مصلحة اي طرف .
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.