يشعر المواطن العربي الطبيعي بضرورة التضامن مع الشعب الأميركي والشعوب المتاخمة لخليج المكسيك لمناسبة الدمار الذي سبّبه إعصارا «هارفي» و «إيرما». إنها قسوة الطبيعة على الإنسان تدعوه إلى التكاتف للتقليل من أخطارها، وهذا مطلوب من البشر جميعاً لأنهم معرّضون للضربات الساخنة أو الباردة أو للزلازل.
قد يبدو هذا الكلام غير سياسي، لكنه يدخل حتماً في السياسة إذا لاحظنا تعليقات عربية تُبدي شماتة بما أصاب المواطن الأميركي العادي، وترى أن المعلومات عن الخسائر مبالغ بها، وتحتجّ بعدم الاهتمام الكافي بكوارث مشابهة حدثت في الهند وباكستان والصين.
نحن أمام عدوانية مسبقة تجاه الشعب الأميركي، تستخدم الهجوم السياسي في مجال غير سياسي. وهذه الخفة المصحوبة بجفاف الحس الإنساني تذكّرنا بشعار «الموت لأميركا» المرفوع في تظاهرات إيران وأنصارها، شعار يستدعي صراعاً أبدياً بين الشعوب لا بين الحكومات، ويستهدف أن ترفع في أمكنة أخرى شعارات «الموت للعرب» أو «الموت للمسلمين» أو «الموت للبوذيين» أو ما يماثل ذلك.
ملايين الأميركيين اضطروا الى مغادرة بيوتهم قبل أن تتحطم أو تغرق. الخسائر كبيرة تبلغ حوالى 150 بليون دولار نتيجة الإعصار «هارفي»، ويتوقع المتابعون رقماً أعلى عندما يستقر الإعصار «إيرما». ذلك يحدث على رغم حداثة شبكات تصريف المياه والتصاميم الخاصة للأبنية في مناطق معرّضة للأعاصير. وهنا لا بد من الإشادة بالتضامن الأميركي الداخلي حكومة وشعباً وهو ليس مستغرباً عنهم في أوقات الشدة.
العالم أيضاً مدعو للتضامن مع المتحدة التي لم تبخل حكوماتها ومؤسساتها المدنية في تقديم مساعدات اقتصادية وتنموية إلى الشعوب الفقيرة، ونفتقد هنا أصوات تضامن من شعب البوسنة والهرسك والألبان في كوسوفو الذين كان للولايات المتحدة الفضل الأول في المحافظة على وجودهم في حرب الإبادة التي أعقبت انهيار الاتحاد اليوغوسلافي.
ليس مطلوباً إرسال مساعدات مالية أو عينية إنما مواقف تضامن مع المواطن الأميركي العادي، باعتباره منتمياً إلى مجتمع يستقبل المهاجرين منذ سنوات مديدة، وسرعان ما يتحول بعضهم إلى شخصيات قيادية في العلوم والآداب والإدارة السياسية. وحتى في أيامنا الحاضرة حين تنكفئ الشعوب والأديان على نفسها وتقفل أبواب الجغرافيا وأبواب الروح في وجه الآخر، نجد المتحدة وأمها أوروبا تستقبلان الهاربين من الحروب، وخلال المناقشات حول القلق الثقافي والاقتصادي الذي يتسبب به المهاجرون نجد غالبية تدافع عن استقبالهم وتمنع اليمين المتطرّف من الإضرار بهم. والواقع أن الشكاوى من المهاجرين والنازحين السوريين، كمثال، تبدو في لبنان والأردن وتركيا أعلى بكثير من مثيلاتها في أوروبا وكندا و المتحدة.
ليست أميركا بالضرورة رؤساءها وحكوماتها وسياساتهم العابرة، إنها وطن التعدُّدية الإنسانية بامتياز، وهي مستقبل العالم حين يتجاوز العصبيات ويصل إلى التعايش والاعتراف المتبادل. وإذا كان لكل وطن- أمة روح واحدة، فإن للولايات المتحدة أرواحاً تتلاقى في روح جامعة. وبالنسبة إلينا كعرب، لنا حصة في هذه الروح الجامعة تمثّلت في مهاجرين من العالم العربي ساهموا في العلوم والآداب والفنون، ونحن نحضر أميركياً مع شعوب أخرى مثل الإنكليز والهولنديين والألمان والأفارقة والروس والإيرلنديين والفرنسيين واليهود والبولنديين، ليؤلف هؤلاء وغيرهم المتحدة الأميركية. من هذا المنطلق نرى وجوب التضامن مع الشعب الأميركي في محنته، وأن نعبّر عن ذلك ببيانات تصدرها حكوماتنا ومؤسسات المجتمع المدني، وحتى الهيئات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية.
إنها فرصة للوصول إلى مشاعر شعب معروف بمحليته وقلة اهتمامه بأخبار العالم البعيد. وهو ترك هذا الاهتمام للبيت الأبيض والبنتاغون ومجلسي النواب والشيوخ والجامعات الكبرى التي تضم مراكز أبحاث.
فليتعرّف الشعب الأميركي هذه المرة إلى عرب إخوة له في الإنسانية، خارج الحروب والعصبيات التي تولّد مزيداً من الحروب.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.