بين تأكيد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو، أنه ناقش مع الأمريكيين خطة لضم مستوطنات الضفة الغربية ونفي البيت الأبيض أي تداول للقضية بين الطرفين، تبقى القضية معلقة وقابلة للتأويل، طالما أن كل شيء على الأرض يؤكد المساعي «الإسرائيلية» المحمومة لتوسيع المستوطنات مع الاستعداد لضمها حين تنضج الظروف، بينما فقدت المواقف الأمريكية في الشأن الفلسطيني مصداقيتها، بسبب انحيازها المفضوح لسياسات الاحتلال، رغم ما تدعيه من حياد ورغبة في لعب دور الوسيط.
من موسكو، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الفلسطينيين لن يتعاونوا في المستقبل مع الولايات المتحدة، باعتبارها الراعي الوحيد للمفاوضات مع «الإسرائيليين»، إلاّ إذا كانت ضمن آلية دولية تتشكل من أطراف عدة. وجاء الموقف الفلسطيني تعبيراً عن شعور عميق بالمرارة من القرارات الأمريكية الأخيرة، وفي صدارتها اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة ل «إسرائيل» وإخراجها من دائرة المفاوضات، بينما يتواصل قضم الأراضي المحتلة بالاستيطان في الضفة الغربية بما سيقضي على المجال الجغرافي للدولة الفلسطينية المحتملة، ويصادر كل المحاولات المستمرة لتحقيق «السلام» على أساس حل الدولتين.
ومما يلاحظ، أن الاحتلال سرع من وتيرة انقلابه على الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني منذ «أوسلو»، كما لا يترك الفرص تمر من دون أن يؤكد تمرده على مبادئ الشرعية الدولية، ومن دون أن يلقى الردع القانوني اللازم من المنظمات الأممية والدول الكبرى. فمتطرف مثل نتنياهو، يرى أن ترامب بمواقفه الداعمة كفيل بلجم الأصوات الدولية، ولا يفوت المناسبات دون أن يتغنى بالعلاقة الوثيقة بينهما، ولكن الرئيس الأمريكي يبدو أنه بصدد مراجعة العديد من مواقفه بدليل الانتقادات «الخفيفة» التي وجهها مؤخراً إلى «تل أبيب» بشأن الاستيطان.
إذا أرادت الولايات المتحدة أن تراجع مواقفها فهذا أمر جيد لمصالحها ودورها في المنطقة، وأمامها امتحان صعب، عليها أن تجتازه لتستعيد ثقة المنطقة وتخرج من المأزق الذي سقطت فيه في فلسطين. فبعد مرور نحو 70 يوماً من قرارها المشؤوم حول القدس، وجدت الولايات المتحدة نفسها معزولة في المجتمع الدولي، كما جابهتها مواقف عربية وإسلامية رافضة بقوة أي مساس بالمدينة المقدسة. ومقابل الدعم الأمريكي المطلق ل «إسرائيل»، كسب الفلسطينيون الكثير من التعاطف الدولي، فهناك دول كانت تلوذ بالحياد، ولكن عندما جرى التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، انحازت إلى الحق ورفضت المساومة عليه. وهناك دول عظمى مثل الصين وروسيا تشاطر الفلسطينيين موقفهم من «الوسيط الأمريكي» غير النزيه، كما صمدت السلطة في وجه الضغوط والتهديدات الصادرة من واشنطن والتزمت بقرارها مقاطعة المسؤولين الأمريكيين بدءاً من نائب الرئيس مايك بنس إلى وزير الخارجية تيلرسون.
الانحياز الأمريكي ل «إسرائيل» يؤلم الفلسطينيين بشدة. ورغم «الحصانة» التي يمنحها للاحتلال، إلا أنها تظل حالة مؤقتة، فالقوة الأمريكية بشهادة أهل الخبرة تتراجع في شتى المجالات، والعالم الحالي يعاد بناؤه لصالح أقطاب جدد، ويبدو أن الفلسطينيين باعتبار قضيتهم العادلة، لا يريدون أن يجور الزمان عليهم أكثر مما فعل، ولذلك يبحثون عن رعاة جدد للسلام، لأن الظلم والقهر الذي نالهم تجاوز حدود الاحتمال والصبر.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.