The Gravity of Ignoring the Middle East Peace Process

<--

خطورة تجاهل عملية السلام في الشرق الأوسط

قلم – سمير عواد:

المسلّم به أن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المثير للجدل، سوف يدخل التاريخ، ولكن ليس كالرجل الذي حقق السلام في منطقة الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حسب الوعد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية، وإنما كالرجل الذي أطلق رصاصة الرحمة على عملية السلام في المنطقة ودمّر آمال الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية وأن يعيش حياة كريمة مثل سائر شعوب العالم.

بعد استلامه منصبه قبل أكثر من عام، كشف ترامب عن وجهه الحقيقي، وسياسته المنحازة لإسرائيل أكثر من أي رئيس أمريكي سابق. فقد أمر شخصياً في مايو الماضي بأن يتم التحضير لنقل مقر سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، التي زعم أنها العاصمة الأبدية لإسرائيل، تماماً حسب الكلام الذي يكرّره بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يجري التحقيق معه بتهم الفساد. ومن وجهة نظر ترامب، لم تعد قضية النزاع حول القدس مُدرجة على طاولة رئيس الولايات المتحدة. وبذلك فقدت واشنطن دور الوسيط النزيه. ومن المرتقب أن تصدر عن ترامب مواقف مُنحازة حول القضايا الأخرى المتعلقة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي لن تكون بالتأكيد لصالح الشعب الفلسطيني.

وإذا كان الرئيس الأمريكي يتعامل مع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بهذا السلوك المُخالف للقوانين والمواثيق الدولية التي شرّعتها هيئة الأمم المتحدة، وفي إطار استفزازي ينم عن عدم إلمامه بتاريخ المنطقة وأسباب نشوء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن تقديمه القدس عاصمة لإسرائيل على طبق من فضة، سوف يؤجّج النزاع وقد يؤدي إلى انتفاضة ثالثة أو حرب جديدة. ويأتي موقفه المشين من القدس، تكملة لسياسة تهويدها التي يدعمها ويحرّض عليها نتنياهو. وكانت القدس حجر عثرة رئيسية في محادثات كامب ديفيد التي جرت قبل 18 عاماً تحت رعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

بفقدان واشنطن التي تُعتبر البلد الوحيد الذي يستطيع التأثير على الحكومة الإسرائيلية لو كانت نواياها حسنة لرغبت جدياً في حل النزاع الذي أفرز نزاعات أخرى في المنطقة على مر العقود والسنوات الماضية.

وعوضاً عن استغلال ترامب علاقة بلاده الوثيقة مع الربيبة إسرائيل، لإنهاء النزاع، فإن تحيّزه الأعمى وغير المشروط لإسرائيل، ينم أيضاً عن عدم اهتمامه بحل هذا النزاع، وبات ذلك معروفاً لأن ترامب غير عابئ أبداً بمشكلات العالم خاصة الشعب الفلسطيني الذي فقد القدرة على التحرّك بسبب موقف ترامب من القدس وحنثه الوعد الذي قطعه بحل النزاع من خلال «عقد صفقة» على حد تعبير رجل الأعمال.

وأمام هذا الوضع، وضع ترامب الفلسطينيين في وضع حرج. فهم يعرفون أن حالة اللاسلم واللاحرب، لا تخدم طموحاتهم. وأصبح من الطبيعي مُراجعة استراتيجيتهم والعودة إلى التفكير بمبدأ المقاومة، وهذا لا يقتصر فقط على حركة «حماس» بل يشتد الضغط في مناطق ما يُسمى بالحكم الذاتي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، زعيم حركة «فتح» كي يدعو إلى وقف التعاون الأمني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبره غالبية الفلسطينيين وسيلة لخدمة المصالح الأمنية الإسرائيلية.

ويلاحظ المراقبون أن موقف ترامب من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتحيّزه لإسرائيل، ساعد في تحقيق التقارب بين «حماس» و»فتح» إلى جانب حقيقة أنه لم يعد للطرفين أصدقاء أقوياء يستطيعون التأثير على عملية السلام. كما ساعد في هذا التقارب الفلسطيني الفلسطيني الذي كان دائماً أمل الشعب الفلسطيني كله، غياب الاتحاد الأوروبي عن النزاع بسبب انشغاله في مشكلاته مثل البريكسيت وأزمة اللاجئين والتغيّرات التي تشهدها الساحة الأوروبية بالإضافة إلى اتساع الهوة بين واشنطن وحلفائها في أوروبا. وعندما شارك نتنياهو في مؤتمر الأمن في ميونيخ في فبراير الماضي، جاء بدون أية أفكار حول حل النزاع مع الفلسطينيين واهتم فقط باستفزاز وتهديد إيران. كما لم يستغل القادة والمسؤولون والخبراء السياسيون من أنحاء العالم، وجوده لسؤاله عن عدم وجود تصوّرات لديه لعملية السلام.

وبحسب تحليل نشرته صحيفة «تاجس تسايتونج» الألمانية يوم الأحد، يضيّع ترامب ونتنياهو على أنفسهما فرصة تحقيق السلام في الشرق الأوسط، بفضل تطور الصلات بين بعض البلدان العربية وإسرائيل. فقد أبرمت مصر صفقة غاز معها، كما تم تعزيز التعاون الاقتصادي مع الأردن، إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخبارية مع السعودية. وقالت الصحيفة إن هذه الأمور تساعد نتنياهو في إحياء المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني لكن ليس لديه نوايا ولا يشعر أن أحداً يمارس الضغط عليه لدفعه إلى ذلك وكأن عملية السلام في الشرق الأوسط لم تعد مطروحة للحل، وهذا خطير جداً على أمن المنطقة.

مراسل الراية في برلين

About this publication