لا أعتقد أن هناك حالياً على الساحة العالمية أحداثاً اقتصادية أهم من حدثين، أولهما الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وثانيهما هو محاولة المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبى، وسوف نتناول فى هذا المقال الحدث الأول، على أن نلقى الضوء على الحدث الثانى فى مقال تالٍ.
كالحروب العسكرية ولكن دون عتاد وجيوش، تواجه الولايات المتحدة الصين فى حرب تجارية، أوقفت تبادل سلع بينهما تُعادل مئات المليارات من الدولارات، وهو الأمر الذى جعل الطرفين يفكران بسرعة فى التفاوض تجنبا لمخاطر استمرار تلك الحرب، وهنا يبرز السؤال المُحير للاقتصاديين فى كل أرجاء العالم: هل تفلح تلك المفاوضات للوصول إلى اتفاق، أم لن يكون هناك اتفاق على الإطلاق؟ ومن ثم تستمر وتتفاقم الحرب التجارية التى يمكن أن يكتوى بلهيبها كل اقتصاديات العالم المتقدم والصاعد على السواء، بما فيها اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتى تقبع فيها مصر.
ماذا تريد الولايات المتحدة من الصين؟ تتهم أمريكا الصين بأنها تزاول ممارسات غير عادلة تُقوّض النظام التجارى العالمى، وتقوم بإغراق الأسواق العالمية بمنتجاتها، وتُخفض عُملتها لدعم المنافسة السعرية لمنتجاتها على حساب المنتجات الأمريكية والأوروبية، الصين متهمة بأنها تنقل وتقتبس التكنولوجيا بما يتعارض مع حقوق الملكية الفكرية. كما تطلب أمريكا بإصرار أن تُعامل الصين الشركات الأمريكية والأوروبية معاملة الشركات الحكومية، وأن يتم وقف الدعم لشركات التكنولوجيا الحكومية الصينية، كما تسعى أمريكا لتقليص العجز الكبير فى الميزان التجارى لصالح الصين والبالغ ٢٣٥ مليون دولار سنويا.
وبدأت الحرب، حيث قام البيت الأبيض بفرض رسوم جمركية عقابية على الواردات الصينية بنسبة ١٠٪ بقيمة ٢٥٠ مليار دولار، مع التهديد برفعها إلى ٢٥٪ فى مارس المقبل حال عدم التوصل إلى اتفاق. فى المقابل ردت الصين بفرض رسوم انتقامية على السيارات وقطع الغيار الأمريكية بقيمة مائة وعشرة مليارات دولار.
فماذا كان تأثير ذلك على البلدين والعالم؟
بالطبع كان التأثير الأكبر على الطرف الصينى، حيث أكدت المؤشرات الاقتصادية تباطؤا نسبيا فى معدل نمو ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، واستمر ذلك للشهر السابع على التوالى بعد أن ألقت الحرب التجارية بشباكها عليه، فانخفض الطلب على الاستهلاك وانخفضت أسعار المنتجات الصناعية، وتراجع معدل النمو، ويتشكك الاقتصاديون فى إمكانية نجاح محاولات الدعم والإصلاح أن تعود بالاقتصاد الصينى إلى معدل النمو الذى كان سائداً قبل الحرب التجارية.
أما من ناحية التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية، التى تلعب دور القاضى والجلاد، نلاحظ أن اقتصادها لم يتأثر بعد، ولكن يبقى الخوف من شبح تباطؤ الطلب العالمى القادم، والتى تكون تلك الحرب التجارية من أهم أسبابه، وهو الأمر الذى يمكن أن يؤثر على الاقتصاد الأمريكى بشكل مؤثر إذا تفاعلت العوامل المعاكسة.
تجنباً لتفاقم الأمور فى تلك الحرب التجارية، اتفقت الولايات المتحدة والصين على هدنة مدتها ثلاثة أشهر، بدأت فى الأول من يناير ٢٠١٩، وتنتهى فى آخر مارس المقبل. ويتعين أن يصل فيها الطرفان إلى حلول تجنبهم والعالم مخاطر متعددة.
فعلاً ظهرت بعض مؤشرات التقارب، والمفاوضات قائمة ولكن تم تأجيل انعقاد الجولة الجديدة إلى نهاية شهر يناير الحالى، الكل متفائل، خاصة بعدما أعلنت الصين تعليق الرسوم الجمركية على السيارات وقطع الغيار الأمريكية، كما استأنفت استيراد فول الصويا الأمريكى بقيمة اثنى عشر مليار دولار سنوياً، وأبدت الضوء الأخضر على بقية الطلبات الأمريكية.
بدورنا نأمل أن يصل الطرفان خلال مدة الهدنة ومن خلال المفاوضات الجادة القائمة إلى حلول تجنب العالم، وعلى الأخص منطقتنا، من مخاطر وتداعيات مثل تلك الحروب التجارية الجديدة.
إن كل دول منطقة الشرق الأوسط والخليج، كل منها يلعب دوراً مهماً، ويتأثر بالأحداث العالمية المرتبطة، دول الخليج معظمها من أهم المصدرين للنفط فى العالم، ومصر هى أكبر سوق استهلاكية فى المنطقة وقوة بشرية عاملة كبيرة وتعتمد على إيرادات السياحة وتحويلات العاملين المصريين فى الخارج وإيرادات قناة السويس، وكل هذه الإيرادات تتأثر سلباً بأى مظاهر للركود العالمى أو الإقليمى. ولذلك نحن نأمل فى أن تُحقق المفاوضات الوصول إلى اتفاق شامل قبل انتهاء موعد الهدنة، وأيضاً لمنع انتشار مثل تلك الإجراءات الانتقامية العقابية بين مختلف دول العالم.
*عضو مجلس إدارة بنكى العربى السودانى وقناة السويس
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.