لو ظلت الأمور على حالها اليوم بالولايات المتحدة من الآن وحتى انتخابات الرئاسة الأمريكية فى نوفمبر 2020 فالأرجح أن يتمكن ترامب من الفوز بولاية ثانية. والسبب فى ذلك لا يتعلق بقوة مواقف الحزب الجمهورى بقدر ما يتعلق بأزمات الحزب الديمقراطى. فالمؤشرات تدل على أن الحزب المنقسم على نفسه بين تيار تقدمى قوى، ونخبة تميل ليمين الوسط، ترشحه لمزيد من الانقسامات التى تضعفه.
فحتى كتابة السطور، تقدم أكثر من 22 مرشحا للرئاسة عن الحزب الديمقراطى، وهو عدد ضخم معناه أن العالم بصدد مشاهدة معركة طاحنة بين الديمقراطيين أنفسهم يتساقط فيها أولئك المرشحون الواحد تلو الآخر من الآن وإلى أن يتم الإعلان عن فوز أحدهم بترشيح الحزب فى يوليو من العام القادم. فالمعركة الانتخابية الطويلة بين أولئك المرشحين تتطلب تمويلا ضخما ويلعب فيها الإعلام الأمريكى دورا محوريا. وليس خافيا أن نخبة الحزب الديمقراطى نفسه ليست بمنأى عن المعركة. فهى التى تدخلت فى عام 2016 منحازة لهيلارى كلينتون على حساب بيرنى ساندرز، وتوجد مؤشرات تدل على أنها اليوم تتدخل لصالح جو بايدن، نائب الرئيس فى عهد أوباما، لضمان حصوله على ترشيح الحزب. وليس سرا أيضا أن نخبة الإعلام والمال المرتبطة بالحزب الديمقراطى، والتى انحازت بوضوح لهيلارى كلينتون على حساب برنى ساندرز فى عام 2016، منحازة اليوم بوضوح لجو بايدن ليس فقط على حساب بيرنى ساندرز وإنما على حساب المرشحين التقدميين الآخرين مثل إليزابيث وارين وتولزى جابارد.
لكن ذلك الانحياز من جانب النخب المالية والإعلامية والحزبية ليس معناه أن معركة بايدن ستكون سهلة. فمواقف بايدن السياسية قريبة إلى حد كبير من مواقف هيلارى كلينتون، والتى كانت عبئا عليها فى أوساط ناخبى الحزب بالانتخابات الماضية. فبايدن يمثل نخبة الحزب المرتبطة بدوائر وول ستريت والتى ابتعدت عن أولويات قطاعات واسعة من الجمهور الرئيسى للحزب. ومواقفه حين كان عضوا بمجلس الشيوخ تضعه فى مربع يمين الوسط فى القضايا الاقتصادية والاجتماعية وبين أهم صقور الحزب فى السياسة الخارجية. وكل ذلك معناه أن يحصل بايدن، ما لم تحدث تطورات مفاجئة، على ترشيح الحزب بعد معركة قاسية يخرج منها جمهور الحزب، الأكثر تقدمية من نخبته، وهو يعانى إحباطا وغضبا قد يدفعه دفعا لأن يولى ظهره لصناديق الانتخاب يوم الاقتراع العام فى نوفمبر حين تكون المنافسة بين الحزبين. وعزوف الجمهور الرئيسى للحزب الديقراطى عن التصويت فى نوفمبر معناه تسليم منصب الرئاسة لمرشح الحزب الجمهورى، أى ترامب. فهى الصيغة نفسها التى حصل على أساسها ترامب على الرئاسة فى انتخابات 2016. فقد نتج عن اختيار كلينتون، التى رفضتها قطاعات واسعة من جمهور الحزب، أن عزف أكثر من 21 مليون عن التصويت فى نوفمبر.
بعبارة أخرى، فإن فوز بايدن بترشيح الحزب الديمقراطى، رغم أنه المفضل بالنسبة لنخبة الحزب والإعلام، فإنه الأقدر، على الأرجح، على تسليم الرئاسة لترامب لفترة ثانية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.