The Death of al-Baghdadi

<--

هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من صراعات الشرق الأوسط التي تكاد لا تنتهي؟

بدون أي مؤشرات سابقة وفجأة تتوارد الأخبار من واشنطن تحديدا حول مقتل مؤسس وزعيم داعش أبوبكر البغدادي “الهارب”، في عملية ناجحة نفذتها القوات الأمريكية الخاصة في بلدة إدلب السورية ومعه ثلاثة من أطفاله.

ومعها في ذات الوقت يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليؤكد العملية الخاصة فيما وصفه بانتصار كبير على التنظيم المتطرف الذي لطالما روع العالم بدمويته ووحشيته طوال السنوات القليلة الماضية وسيطر على أراضي واسعة من أراضي سوريا والعراق في أوج قوة هذا التنظيم المتطرف بقيادة البغدادي آنذاك .

ويبدو أن هذه العملية التي قضت على زعيم داعش ستكون لها انعكاسات في الشرق الأوسط والعالم يمكن حصرها بالآتي:

١- إن خسارة التنظيم المتطرف لزعيمه ستؤدي لمزيد من الضعف والانشقاقات داخل هيكلة التنظيم والذي كان يعاني من انحسار نفوذه خاصة بعد طرده من مدينتي الموصل والرقة في٢٠١٧ بعد أن استولى قبلها وتحديدا في ٢٠١٤ على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية والعراقية في مفاجأة كبرى للعالم ونشر الرعب في كل مكان وحكم بأساليب وحشية أذهلت الجميع.

٢-تمثل عملية تصفية البغدادي نجاحا كبيرا للجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وستمنح المزيد من الزخم للقضاء بشكل نهائي على الفلول المتبقية من حركة داعش لكن أيضا قد تعني بالمقابل قيام داعش بعمليات انتقامية بأشكال مختلفة ردا على مقتل زعيمها وهنا نتحدث عن تفجيرات أو اغتيالات أو عمليات تخريبية ولداعش تاريخ حافل في ذلك بالعديد من مدن العالم.

٣-من المؤكد أن التوافق سيسود في سوريا وستقل المخاوف من آثار العملية العسكرية التركية التي خطط لها أردوغان بعناية مؤخرا وستعني نجاحا لفكرة إقامة المنطقة الآمنة بعد مقتل البغدادي وتوطين مليوني لاجيء سوري فيها وتأمين حدود تركيا من المقاتلين الأكراد.

٤-بالنسبة لروسيا وإيران الداعمتين لنظام بشار الأسد فإن مقتل البغدادي يعني التخلص من أقوى خصم على الساحة وسيمهد الطريق لتنفيذ مخططاتهم مع الأسد والترتيب لمزيد المفاوضات وبالذات مع كل من واشنطن وأنقرة حول مستقبل سوريا.

٥-وبخصوص ترامب فإنه الرابح الأكبر ، وخاصة على الصعيد السياسي الداخلي فنجاح عملية تصفية زعيم داعش ستعزز موقفه بشكل كبير ضد التحقيقات حول مساءلته في مجلس النواب الأمريكي بشأن مكالمته مع الرئيس الأوكراني للإضرار بخصمه الديمقراطي جو بايدن لانتخابات ٢٠٢٠ ،ومن المؤكد أن ترامب لن يفوت مثل هذه الفرصة الذهبية لاستثمارها على الوجه الأكمل لتعزيز حظوظه بالانتخابات المقبلة وإضعاف موقف خصومه من الديمقراطيين.

لقد كان اعتقال أو قتل البغدادي على صدر الأولويات الأمنية للإدارة الأمريكية منذ فترة طويلة وها هو الهدف قد تحقق الآن ولعل أسعد رجل بذلك هو ترامب الذي سيرى في ذلك أحد أبرز إنجازاته خلال فترة توليه المنصب الرئاسي ولعل المفارقة أن الرئيس السابق باراك أوباما سار على نفس النهج عندما نجح في تصفية أسامة بن لادن عام٢٠١١ وقبل انتخابات ٢٠١٢ آنذاك ليفوز بفترة ولاية ثانية وها هو نفس الأمر يتكرر مع ترامب.

فهل التوقيت وبالذات التصفيتين لإبن لادن والبغدادي مع اختلاف السنوات كانتا مبرمجتين وبالتزامن مع فترة الانتخابات الرئاسية للاستفادة منهما لحشد التأييد ؟

بالفعل هو سؤال يثير الاستغراب حقا ولكن بالواقع هذا ما يتعلق بالداخل الأمريكي ولكن في نفس الوقت لا يلغي ذلك الأهمية القصوى لقتل كل من بن لادن سابقا والبغدادي حاليا واختفائهما من على وجه الساحة من أهمية أيضا لدول الشرق الأوسط التي عانت من تأثيرات هذا التطرف على استقرارها وأنظمتها.

لقد سرق ترامب بمصرع البغدادي الأضواء كالعادة ولكن هل سيعني ذلك في نهاية المطاف شرق أوسط خال من الحروب والمشاكل والخلافات؟

كل المؤشرات تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من عدم الاستقرار من اليمن مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وليبيا ولايبدو أن الأوضاع ستتغير قريبا حتى مع خبر مقتل زعيم داعش .

فالصراع تتحكم به مصالح القوى الكبرى بالدرجة الأولى وبقية الدول في المنطقة تدور في فلك هذه المصالح التي تتغير من فترة إلى أخرى، ولعل توجيه ترامب كلمات المدح والثناء لكل من روسيا وتركيا وسوريا والعراق على إنجاز عملية اغتيال البغدادي الناجحة تعطي مدلولات على أن المصالح هي التي تحكم الوضع الحالي بالشرق الأوسط وستستمر كذلك لفترة طويلة.

About this publication