The American Withdrawal: Is Trump Targeting Paris or the Climate?

<--

الموقف الأمريكى من اتفاقية باريس للمناخ ليس جديدا، حيث كان الانسحاب منها أحد الوعود التى قطعها على نفسه دونالد ترامب، منذ أن كان مرشحا للرئاسة فى 2016، على اعتبار أن الالتزام بتخفيض الانبعاثات الحرارية للحد من ظاهرة التغير المناخى، والتى أصبحت بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين، من شأنه التأثير على الصناعة الأمريكية، وبالتالى الاقتصاد، والذى يمثل أولوية كبيرة فى أجندة الإدارة الحالية، والتى نجحت بالفعل فى تحقيق معدلات نمو اقتصادى كبيرة، إذا ما قورنت بالإدارات السابقة.

إلا أنه بعيدا عن الهدف المعلن، فهناك أهداف أخرى يحملها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى جعبته، وراء الخطوة، خاصة إذا ما نظرنا إلى توقيتها، حيث إنها تأتى بالتزامن مع زيارة يقوم بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى الصين، فى مهمة تبدو أوروبية أكثر منها فرنسية، تسعى من خلالها باريس لإيجاد شركاء جدد لأوروبا، خاصة فى المجال التجارى، فى ظل الحرب التجارية المندلعة بين الصين والولايات المتحدة منذ شهور، فى الوقت الذى تحاول فيه فرنسا توسيع نفوذها الدولى.

وهنا نجد ارتباطا وثيقا بين الخطوة الأمريكية من جانب، وكل من فرنسا، والتى تحمل الاتفاقية المناخية اسم عاصمتها (باريس)، والصين، والتى أصبحت قوة اقتصادية مهولة، وتمثل كابوسا للولايات المتحدة فى ظل اختلال الميزان التجارى بين البلدين لصالح بكين، خاصة وأن واشنطن وحلفاءها طالما كالوا الاتهامات للصين بعدم الالتزام بالمعايير المناخية، فى السنوات الماضية، وهو الأمر الذى كانت تبرره الصين بكونها دولة نامية، وبالتالى فمن حقها العمل لتحقيق التنمية الاقتصادية.

وبالتالى يبقى توقيت الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية مدروسا بعناية، حيث أنها تمثل رسالة أمريكية للحليف الفرنسى والخصم الصينى، خلال لقائهما المنعقد فى بكين، مفادها أن واشنطن مازالت لديها كافة الأوراق لإفساد أى اتفاق محتمل، خاصة وأن الخروج الأمريكى يعد بمثابة “موت إكلنيكى” للاتفاقية، ويفقدها قدرا كبيرا من شرعيتها.

ولعل ارتباط الاتفاقية باسم “باريس” يضفى قدرا من النفوذ لفرنسا، ورئيسها الساعى إلى المزيد من المجد الدولى، وبالتالى فيعد القرار الأمريكى بمثابة “فرمان” لحرمان ماكرون من هذا الشرف، كما سبق وأن حرمه من القيام بأدوار دولية سعى إليها فى الأشهر الماضية، وعلى رأسها دور الوسيط بين واشنطن وطهران، وهو الأمر الذى لم يقبله ترامب، حيث فضل عليه اليابان، للقيام بهذا الدور، وهو الأمر الذى استجابت إليه طهران عبر زيارات وزير خارجيتها إلى طوكيو أولا، ثم بعد ذلك بالهجوم الأخير الذى شنه المرشد الإيرانى على خامنئى على الرئيس الفرنسى، والذى وصفه قبل أيام بـ”الساذج” نظرا لرغبته فى استئناف الحوار بين البلدين.

يبدو أن الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية يأتى فى إطار خطوات مشابهة، اتخذها على العديد من المسارات، كالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، أو اتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، مع روسيا، وغيرهما، حيث إنه أبدى انفتاحه فى أكثر مناسبة للوصول إلى اتفاقات جديدة، بمعايير مختلفة، وهو الأمر الذى ربما يتكرر مع اتفاقية المناخ، فى المرحلة المقبلة، شريطة تغيير المعايير التى لا تروق لها، وربما أولها أن تحمل اسما آخر، بعيدا عن فرنسا أو أوروبا بأسرها.

About this publication