ينقسم الأميركان (بفضل طبيعة النظام الرأسمالي على عواهنه) إلى أغنياء جدا وفقراء جدا فقط. أما الطبقة الأولى، فلا تمثل أكثر من خمسة بالمئة من مجموع السكان (يدعي البعض بأنهم لا يزيدون 1%)، وأما الطبقة الفقيرة (نسبتها غير معروفة)، فهي كذلك لا تزيد عن أقلية ليست كبيرة كذلك، وقوامها آلاف “المشردين”، وأقصد “بالمشردين” هؤلاء الذين لا يجدون مأوى أو منزلا يأوون إليه للنوم ساعات الليل، لذا يطلق عليهم هناك عنوان The homeless (أي البلا مأوى)، ويعتمد هؤلاء على ما يتكرم عليهم البعض من غذاء ومن الحماية الحكومية، إلا أنهم غالبا ما يقضون لياليهم في العراء: خلف البنايات الكبيرة وتحت ناطحات السحاب العظمى، بلا ما يشبع رمقهم من الغذاء، نظرا لإنفاقهم ما يحصلون عليه (من الاستجداء أو بعض الأعمال العضلية المؤقتة) على الخمور والمخدرات!
لذا، تكون الطبقة الوسطى هي المشكل الرئيسي للمجتمع الأميركي، دون أن تمحى بضغط الطبقتين الغنية والفقيرة أعلاه، علما بأنها هي الطبقة الأكثر أهمية، ليس فقط بفضل طغيان أعداد أفرادها، كأغلبية، ولكن كذلك بفضل قدرتها على تدوير دفة الاقتصاد والسياسة الأميركية عبر مخاضات التغير والتفاعل الاجتماعي.
لذا، فلا غرابة في أن يركز المرشحون في الانتخابات الرئاسية القادمة (نوفمبر، 2020) على كسب تأييد الطبقة الوسطى بطبيعتها المعروفة من مداخيل مالية محدودة وقدرات محدودة كذلك على الإنفاق، خصوصا وأن هذه الطبقة الوسطى هي “داينمو” الاقتصاد والمجتمع الأميركي، إذ إنها هي المسؤولة عن تدوير الاقتصاد الاستهلاكي هناك: “من شيك إلى شيك”؛ أي اعتماد أفرادها على إنفاق ما تحصل عليه من مداخيل من مرتب شهري إلى مرتب شهري تالٍ! هي طبقة فاعلة وحاسمة سياسيا واقتصاديا؛ لأنها هي التي تقرر مصائر المؤسسة الرئاسية الأميركية بفاعلية في نهاية المطاف.
إن أهم ما يميز الطبقة الوسطى، من وجهة نظري، هو أن أفرادها “حالمون” بطبيعتهم، لأنهم حبيسو هذه الطبقة: فيحلمون بالنقلة الاجتماعية class shift إلى طبقة الأغنياء، كما أنهم يخشون رعب السقوط إلى مهاوي طبقة الفقراء من الناحية الأخرى. هؤلاء هم الذين يغذون الاقتصاد الأميركي ويدوِّرون عجلته، ومنهم يخرج العلماء والمفكرون ورجال القلم، بل وحتى عناصر القوة العسكرية والاستخبارية الأميركية النافذة عبر قارات العالم جميعا.
هذه ظاهرة مهمة للغاية يدركها المتسابقون الديمقراطيون للبيت الأبيض الذين يرنو كل واحد منهم لهزيمة الرئيس الملياردير “دونالد ترامب”، مع إشارة خاصة إلى توجيه خطاباتهم التنافسية إلى الطبقة الوسطى من المجتمع الأميركي، بمعنى الطبقة التي بواسطتها فقط يمكن هزيمة الملياردير ترامب وفك أبواب البيت الأبيض عبر صناديق الاقتراع!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.