Post COVID-19: Beijing Does Not Score Any Win; Washington Is Undefeated

<--

الوباء العالمي الذي تسبب به فيروس كورونا سيترتب عنه تغييرات كبيرة في العلاقات الدولية، وفي العلاقات الداخلية للأمم، أي بين الشعوب والسلطات التي تمثلها. وبدأ بعض المحللين يتحدثون عن سقوط دول وتراجع دول أخرى وبالأخص النهضة الكبرى للصين، وتراجع الغرب أيضا وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الواقع وما يحمله من مؤشرات مستقبلية لا تشير إلى هذا المعطى بشكل حاسم.

في مقال سابق بتاريخ 9 مارس/آذار الجاري في هذا الركن من هذه الجريدة بعنوان «فيروس كورونا: فيلم الرعب الذي ينهي العولمة» تناولت كيف يحمل الوباء نهاية العولمة، لأنه سيعيد صياغة العلاقات على مستويات متعددة. ويبقى السر في التغيير المقبل هو الوعي الذي اكتسبه المواطن العادي في مختلف الدول. وتأثير هذا الوعي الجيد سيختلف من دولة الى أخرى، ومن قيادة سياسية الى أخرى. سيكون تأثيره سريعا في الدول الديمقراطية، وفي الدول التي تمتلك مشروعا قوميا، وإن لم تكن ديمقراطية مثل حالة إيران.

في أكثر من برنامج في تلفزيونات إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، تساءل الأطباء والمواطنون باندهاش ممزوج بجرعات كبيرة من الاستياء: هل تعجز الدولة عن تصنيع الكمامات الطبية وآلات التنفس لإنقاذ المرضى؟ وهو تساؤل مشروع لغياب عذر في دول متقدمة صناعيا، وليست الدول ذات البنيات الهشة. ومن ضمن ردود الفعل الإيجابية على هذه التساؤلات، ما صدر عن رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتيش ليلة السبت الماضي، وهو يعلن خطورة الوضع: «إسبانيا ستوجه كل طاقتها ومجهوداتها للتصنيع الطبي، حتى لا تحتاج إلى أي بلد آخر، وليكون لديها دائما احتياطي استراتيجي لمواجهة الأزمات». ما ردده المسؤول الإسباني يتردد في أكثر من عاصمة غربية، وفي أكثر من عاصمة في الدول التي تمتلك قيادات سياسية واعية.

وعليه، وعي المواطن هو الذي سيدفع الدول نحو إعادة النظر في النموذج الاقتصادي، باستعادة التصنيع المحلي – الوطني، بعدما فوضت الكثير من الدول للصين بالتحول إلى أكبر مصنع في العالم، يزود البشرية بالكثير مما تحتاجه. ولهذا، نرى طائرات صينية محملة بالمساعدات الطبية الصينية، تتوجه إلى مختلف دول العالم، وفي مختلف القارات، من دون استثناء للمساهمة في القضاء على فيروس كورونا. وارتباطا بهذا، فقد بنى عدد من الباحثين في العلاقات الدولية، خاصة الشق المتعلق بالجيوسياسية «الجيوبولتيك»، أطروحة جديدة تتحدث عن انهيار النظام العالمي، بانهيار الثقافة المسيحية – اليهودية، وهو ما يطرحه الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي، في حديث له مع مجلة «لوبوان» في عددها الأخير. ولم يتردد في وصف أوروبا بالعالم الثالث، لعجزها عن تقديم العلاج للجميع. ويرى في الوباء العالمي الناتج عن فيروس كورونا منعطفا يمهد لمسألة انهيار الحضارة اليهودية – المسيحية، أي التركيز على أفكاره الواردة في كتابه «الانحطاط»، وهي أفكار قامت بتحديث الأطروحة السائدة منذ العقد الثاني من القرن الماضي، عندما كتب الفيلسوف الألماني أرنولد شبينغلر كتاب «انهيار الغرب». في الاتجاه نفسه ذهب بعض كتاب المجلة الأمريكية «فورين بوليسي» إلى القول بانتصار الصين وخروج الولايات المتحدة الأمريكية ضعيفة.

نعم، تحظى الصين الآن بصورة مشرقة في أعين الرأي العام العالمي، بما في ذلك جزء كبير منه أمريكي، بسبب احتوائها للفيروس، في ظرف ثلاثة أشهر من اندلاعه، وتقديمها المساعدات للعالم، ومنها الغربية مثل، إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا. وأصبح العالم يتحدث عن احتمال قيادة الصين لنظام دولي جديد مستقبلا، فالتاريخ يصنعه ويكتبه المنتصرون، والحرب ضد فيروس كورونا هي حرب كونية في وقتنا الراهن. والواقع أن الدولة العميقة بمفهومها الكلاسيكي في الغرب، خاصة الولايات المتحدة غير المرتبطة بنيوليبرالية والمعادية للعولمة، تجد في الوباء العالمي كورونا خير حليف لإنعاش أطروحاتها، وهي «الاكتفاء الذاتي الشامل» على شاكلة الستينيات والسبعينيات باستثناء الموارد الأولية إذا كانت تفتقر إليها.

كورونا سيعيد صياغة العلاقات على مستويات متعددة ويبقى السر في التغيير المقبل في الوعي الذي اكتسبه المواطن العادي في مختلف الدول

العالم والغرب مقبلان على إعادة النظر في طريقة الإنتاج، في هذا الصدد ستكون الأولوية للمحلي- الوطني على حساب الإنتاج الدولي أو التجارة الدولية. فقد أظهرت هذه الأزمة أن الاعتماد على الإمدادات في التجارة الدولية يحمل صعوبات تصل إلى الموت في حالة الأزمات المرتبطة بالأوبئة، فنسبة مهمة من الوفيات في إيطاليا وإسبانيا مرتبطة بالنقص في الوسائل الطبية، مثل القفازات والكمامات وآلات التنفس. وعليه، يوجد عاملان متداخلان ومكملان لبعضهما بعضا سيرسمان ملامح الغد جيوسياسيا:

*الأول ويتجلى في وعي الدول بضرورة الاكتفاء الذاتي، وهذا يعني تغليب التصنيع المحلي، لاسيما وأن هذا الوباء العالمي قد يتسبب في أزمات اقتصادية عظمى. وها هي الدول تخصص ميزانيات عملاقة للحفاظ على الإنتاج، وتفادي الانهيار. وهذا يترجم بالرهان على مشاريع وطنية، وتقليص الواردات لخلق مناصب الشغل. وهذا هو المطلب الرئيسي للدولة العميقة في الغرب. وقد استغل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأزمة، لتوجيه جزء من الصناعة المحلية نحو حاجيات المستشفيات في الوقت الراهن.

*والعامل الثاني، ترغب الولايات المتحدة بإقناع شركائها بأن الوباء فرصة تاريخية للتقليل من الاعتماد على الصين، والحيلولة دون ريادتها للعالم مستقبلا، فهي تعادي قيم الغرب، وأنه حانت الفرصة لإعلان حرب باردة ذات طابع تجاري ضد العملاق الآسيوي.

نظريا، تعتبر الصين منتصرة في أعين الرأي العام العالمي، جراء احتوائها للوباء، وتقديم مساعدات لعشرات الدول، ولكنها في العمق لم تنتصر، فهي تدرك أن وارداتها ستتراجع بعد أزمة الوباء، وأن العولمة التي مكنتها من أكبر قفزة نوعية في اقتصادها القائم على التصدير، قد أشرفت على نهايتها. الولايات المتحدة لم تنهزم والصين لم تنتصر، إنه عنوان العالم الجديد بعد وباء كورونا، الذي سيدخل أكبر حرب باردة ولكن هذه المرة تجارية يتزعمها البلدان وتتميز بحدة الاستقطاب.

كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي

الوباء العالمي الذي تسبب به فيروس كورونا سيترتب عنه تغييرات كبيرة في العلاقات الدولية، وفي العلاقات الداخلية للأمم، أي بين الشعوب والسلطات التي تمثلها. وبدأ بعض المحللين يتحدثون عن سقوط دول وتراجع دول أخرى وبالأخص النهضة الكبرى للصين، وتراجع الغرب أيضا وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الواقع وما يحمله من مؤشرات مستقبلية لا تشير إلى هذا المعطى بشكل حاسم.

في مقال سابق بتاريخ 9 مارس/آذار الجاري في هذا الركن من هذه الجريدة بعنوان «فيروس كورونا: فيلم الرعب الذي ينهي العولمة» تناولت كيف يحمل الوباء نهاية العولمة، لأنه سيعيد صياغة العلاقات على مستويات متعددة. ويبقى السر في التغيير المقبل هو الوعي الذي اكتسبه المواطن العادي في مختلف الدول. وتأثير هذا الوعي الجيد سيختلف من دولة الى أخرى، ومن قيادة سياسية الى أخرى. سيكون تأثيره سريعا في الدول الديمقراطية، وفي الدول التي تمتلك مشروعا قوميا، وإن لم تكن ديمقراطية مثل حالة إيران.

في أكثر من برنامج في تلفزيونات إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، تساءل الأطباء والمواطنون باندهاش ممزوج بجرعات كبيرة من الاستياء: هل تعجز الدولة عن تصنيع الكمامات الطبية وآلات التنفس لإنقاذ المرضى؟ وهو تساؤل مشروع لغياب عذر في دول متقدمة صناعيا، وليست الدول ذات البنيات الهشة. ومن ضمن ردود الفعل الإيجابية على هذه التساؤلات، ما صدر عن رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتيش ليلة السبت الماضي، وهو يعلن خطورة الوضع: «إسبانيا ستوجه كل طاقتها ومجهوداتها للتصنيع الطبي، حتى لا تحتاج إلى أي بلد آخر، وليكون لديها دائما احتياطي استراتيجي لمواجهة الأزمات». ما ردده المسؤول الإسباني يتردد في أكثر من عاصمة غربية، وفي أكثر من عاصمة في الدول التي تمتلك قيادات سياسية واعية.

وعليه، وعي المواطن هو الذي سيدفع الدول نحو إعادة النظر في النموذج الاقتصادي، باستعادة التصنيع المحلي – الوطني، بعدما فوضت الكثير من الدول للصين بالتحول إلى أكبر مصنع في العالم، يزود البشرية بالكثير مما تحتاجه. ولهذا، نرى طائرات صينية محملة بالمساعدات الطبية الصينية، تتوجه إلى مختلف دول العالم، وفي مختلف القارات، من دون استثناء للمساهمة في القضاء على فيروس كورونا. وارتباطا بهذا، فقد بنى عدد من الباحثين في العلاقات الدولية، خاصة الشق المتعلق بالجيوسياسية «الجيوبولتيك»، أطروحة جديدة تتحدث عن انهيار النظام العالمي، بانهيار الثقافة المسيحية – اليهودية، وهو ما يطرحه الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي، في حديث له مع مجلة «لوبوان» في عددها الأخير. ولم يتردد في وصف أوروبا بالعالم الثالث، لعجزها عن تقديم العلاج للجميع. ويرى في الوباء العالمي الناتج عن فيروس كورونا منعطفا يمهد لمسألة انهيار الحضارة اليهودية – المسيحية، أي التركيز على أفكاره الواردة في كتابه «الانحطاط»، وهي أفكار قامت بتحديث الأطروحة السائدة منذ العقد الثاني من القرن الماضي، عندما كتب الفيلسوف الألماني أرنولد شبينغلر كتاب «انهيار الغرب». في الاتجاه نفسه ذهب بعض كتاب المجلة الأمريكية «فورين بوليسي» إلى القول بانتصار الصين وخروج الولايات المتحدة الأمريكية ضعيفة.

نعم، تحظى الصين الآن بصورة مشرقة في أعين الرأي العام العالمي، بما في ذلك جزء كبير منه أمريكي، بسبب احتوائها للفيروس، في ظرف ثلاثة أشهر من اندلاعه، وتقديمها المساعدات للعالم، ومنها الغربية مثل، إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا. وأصبح العالم يتحدث عن احتمال قيادة الصين لنظام دولي جديد مستقبلا، فالتاريخ يصنعه ويكتبه المنتصرون، والحرب ضد فيروس كورونا هي حرب كونية في وقتنا الراهن. والواقع أن الدولة العميقة بمفهومها الكلاسيكي في الغرب، خاصة الولايات المتحدة غير المرتبطة بنيوليبرالية والمعادية للعولمة، تجد في الوباء العالمي كورونا خير حليف لإنعاش أطروحاتها، وهي «الاكتفاء الذاتي الشامل» على شاكلة الستينيات والسبعينيات باستثناء الموارد الأولية إذا كانت تفتقر إليها.

كورونا سيعيد صياغة العلاقات على مستويات متعددة ويبقى السر في التغيير المقبل في الوعي الذي اكتسبه المواطن العادي في مختلف الدول

العالم والغرب مقبلان على إعادة النظر في طريقة الإنتاج، في هذا الصدد ستكون الأولوية للمحلي- الوطني على حساب الإنتاج الدولي أو التجارة الدولية. فقد أظهرت هذه الأزمة أن الاعتماد على الإمدادات في التجارة الدولية يحمل صعوبات تصل إلى الموت في حالة الأزمات المرتبطة بالأوبئة، فنسبة مهمة من الوفيات في إيطاليا وإسبانيا مرتبطة بالنقص في الوسائل الطبية، مثل القفازات والكمامات وآلات التنفس. وعليه، يوجد عاملان متداخلان ومكملان لبعضهما بعضا سيرسمان ملامح الغد جيوسياسيا:

*الأول ويتجلى في وعي الدول بضرورة الاكتفاء الذاتي، وهذا يعني تغليب التصنيع المحلي، لاسيما وأن هذا الوباء العالمي قد يتسبب في أزمات اقتصادية عظمى. وها هي الدول تخصص ميزانيات عملاقة للحفاظ على الإنتاج، وتفادي الانهيار. وهذا يترجم بالرهان على مشاريع وطنية، وتقليص الواردات لخلق مناصب الشغل. وهذا هو المطلب الرئيسي للدولة العميقة في الغرب. وقد استغل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأزمة، لتوجيه جزء من الصناعة المحلية نحو حاجيات المستشفيات في الوقت الراهن.

*والعامل الثاني، ترغب الولايات المتحدة بإقناع شركائها بأن الوباء فرصة تاريخية للتقليل من الاعتماد على الصين، والحيلولة دون ريادتها للعالم مستقبلا، فهي تعادي قيم الغرب، وأنه حانت الفرصة لإعلان حرب باردة ذات طابع تجاري ضد العملاق الآسيوي.

نظريا، تعتبر الصين منتصرة في أعين الرأي العام العالمي، جراء احتوائها للوباء، وتقديم مساعدات لعشرات الدول، ولكنها في العمق لم تنتصر، فهي تدرك أن وارداتها ستتراجع بعد أزمة الوباء، وأن العولمة التي مكنتها من أكبر قفزة نوعية في اقتصادها القائم على التصدير، قد أشرفت على نهايتها. الولايات المتحدة لم تنهزم والصين لم تنتصر، إنه عنوان العالم الجديد بعد وباء كورونا، الذي سيدخل أكبر حرب باردة ولكن هذه المرة تجارية يتزعمها البلدان وتتميز بحدة الاستقطاب.

About this publication