The President’s Mistakes: Trump and the Coronavirus

<--

من أخطاء الرؤساء: ترامب وكورونا!

ربما تقابل الرؤية التى تحملها هذه السطور بشأن إدارة الرئيس الأمريكى ترامب لأزمة كورونا حالة من التحفظ باعتبار أنها تتعلق بموضوع فى طور الحدوث، غير أن المتابعة الدقيقة لما جرى قد ينتهى إلى صحتها بالكامل، وأهمية هذا التناول والرصد ليس لكونه يتعلق بتحليل أبعاد الموقف من أزمة صحية طارئة يواجهها العالم لأول مرة وإنما للكشف عن حالة نموذجية تشير إلى أنه حتى فى أكثر النظم الديمقراطية ربما يروح المواطن أو الشعب بأكمله، ضحية سوء أداء نظامه السياسى وبالتحديد رئيسه بشكل قد ينتهى معه الأمر إلى كارثة من المؤكد أنه لن يجدى معها مساءلة الرئيس من عدمها، عزله أو عدم عزله، إعادة انتخابه أو عدم إعادة انتخابه.

ورغم أن جائحة كورونا تجتاح مختلف دول العالم بأكملها، إلا أن خصوصية الحالة الأمريكية تأتى من مفارقة التقليل بشكل كبير من خطورة الفيروس على المستوى الرئاسى إلى احتلال الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالمياً فى مستوى انتشار المرض. فقد سجلت أول حالة إصابة بكورونا فى الولايات المتحدة فى 21 يناير 2020 حتى وصل عدد الإصابات فى 13 مارس مثلاً إلى نحو 1663 مصاباً فى 46 ولاية أمريكية، ورغم ذلك فقد ظل الرئيس ترامب حتى ذلك التاريخ يقلل من تأثير الفيروس سواء فى تصرحاته أو تغريداته على تويتر.

وعلى ذلك فإنه لم يكن من الغريب أن توجه للرئيس ترامب فى بداية الأزمة اتهامات بالتقليل من خطورتها من خلال تأكيده أن انتشار الفيروس محلياً ليس أمراً محتوماً فيما كان الواقع يؤكد عدم صحة هذه التصريحات ووصل إلى حد الكارثة بتجاوز أعداد المصابين حتى الآن أكثر من 300 ألف إصابة بمعدل يمثل ربع معدل الإصابات العالمية، واللافت أن انتقاد ترامب جاء من مجلة رصينة مثل «فورين أفيرز» التى اعتبرت أن واشنطن وبشكل خاص البيت الأبيض ممثلاً فى الرئيس ترامب أساءت التعامل مع انتشار الفيروس بشكل كشف حالة من الارتباك أظهر ما وصفته المجلة بعجز الولايات المتحدة عن قيادة النظام الدولى.

ومن الغريب أن ترامب لم يستمع حتى إلى صوت الإعلام الأمريكى وراح يصف مواقفه بأنها غبية وبليدة بل مارس هوايته المعتادة فى التجاوز مع الصحفيين عندما أشار مراسل من «سى إن إن» خلال مؤتمر صحفى لترامب إلى تصريحات سابقة للرئيس الأمريكى قال فيها إن الفيروس تحت السيطرة إلى حد كبير، وأنه سيختفى، ولأن الأمر كذلك ويبدو تقصير الرئيس الأمريكى واضحاً للعيان، إلى حد أنه بدأ يعبر عن إدراك عام فى الولايات المتحدة، فقد راح ترامب عندما سئل عن طريقة تعامل إدارته مع الفيروس يؤكد مرة أنه لا يتحمل أى مسئولية على الإطلاق، فيما يشير فى مناسبة ثانية إلى أنه لا أحد كان على علم بأنه سيكون هناك وباء شامل أو غير شامل بهذا الحجم.

غير أن المتابع لمواقف ترامب وإيجازاته الصحفية منذ تزايد خطر انتشار الفيروس يلمس بوادر تحول فى نبرة حديثه مع إصرار جزئى فى الوقت ذاته على موقفه، حيث أصبح حذراً بعدما بدأت أصوات الأمريكيين تتهمه بالتلاعب بأوضاعهم الصحية وتعريضهم للخطر إلى حد أن الأمريكيين، حسبما أشارت مصادر إعلامية، لم يعودوا ينتظرون موقفاً من البيت الأبيض، بل يستمعون إلى حكام الولايات.

لقد كان الهاجس الرئيسى الذى حكم موقف ترامب هو تأثير هذه الجائحة على عجلة الاقتصاد الأمريكى بالسلب، وهو ما يمكن أن يقلل من فرص إعادة انتخابه فى الانتخابات المقبلة التى تجرى أواخر هذا العام. ومن هنا كان تأكيد ترامب فى مختلف مراحل الأزمة حتى بعد أن وصلت إلى أقصاها على ضرورة ألا تلقى بتأثيرات ذات قيمة على حركة الاقتصاد وهو ما يشير إليه تصريحه بأنه لن يسمح بأن يتحول فيروس كورونا إلى مشكلة اقتصادية طويلة الأمد رغم تعارض هذا التوجه مع مساعى احتواء انتشار الفيروس الذى كان يتطلب تعطل قطاعات اقتصادية مختلفة وتوقف الكثير من الشركات عن العمل، وهو طرح ربما يبدو على المدى القصير يغلب الاعتبارات الاقتصادية على اعتبارات حياة البشر.

وفى ظل التحول الواضح فى اتجاه تصريحات ترامب من السخرية من الفيروس إلى دعوة كل أمريكى للاستعداد للأيام الصعبة التى تنتظره محذراً من أسبوعين مؤلمين للغاية مع ارتفاع أعداد طالبى المساعدات المالية من الأمريكيين بسبب التعطل إلى أكثر من 10 ملايين أمريكى يزداد التيقن من قصور معالجة الرئيس ترامب لجائحة كورونا، الأمر الذى يرى البعض أنه قد يكلفه منصب الرئاسة بعدم الفوز فى الانتخابات المقبلة، وهو السبب الذى كان يقف وراء حرصه على التهوين من الأزمة!

ولعل الدرس الذى يمكن استخلاصه على ضوء ممارسة ترامب بشأن هذه القضية أن الرئيس فى أى نظام سياسى فى النهاية بشر، قد يخطئ وقد يصيب، وأنه مهما كانت كفاءة المؤسسات التى تحيط به لضمان حسن إدارته لشئون بلاده، فإن آليات الممارسة الفعلية للسلطة قد تفرض تسييد رؤاه حتى لو كانت خطأ، وهو ما يعنى أن اتساع نطاق المؤسسات الرسمية أو المجتمعية التى تراجع الرئيس، وقد تعارض قراراته ربما يكون لها أثرها فى كبح جماح الكارثة وعدم وصولها فى تأثيراتها السلبية إلى حدها الأقصى!

About this publication