ما يحدث مع الرئيس ترامب الآن بعد ألآداء السيئ لإدارة جائحة الكورونا في أميركا وتجاوز الأصابات المليونين وأكثر من مائة الف وفاه، وما تبعها من تدهور كبير في الآداء الاقتصادى وفقدان أكثر من عشرين مليون وظيفتهم وتوقع وصول الرقم إلى 38 مليونا، وارتفاع درجة البطالة لتقارب الـ 14 في المائة وخسارة كل الإنجازات التي تباهى بها في سنواته الثلاث الأولى ، وتدهور شعبيته بعد مقتل جورج فلويد واندلاع الإحتجاجات الشعبية في كل المدن الأمريكية بما فيها البيت ألأبيض نفسه, ذروة هذه التطورات تأتي في سنة الانتخابات ليجد الرئيس ترامب نفسه في مأزق تدهور شعبيته حتى لدى الإنجيليين لتتراجع من 77فى المائة في آذار الماضى إلى 62 في المائة في أيار ، و27 نقطة لدى البيض الكاثوليك، وحيث يتغير المزاج العام الأميركي يتغير أيضا المزاج العام للإنجيليين والذين دعموه في الانتخابات ألأولى وفقا للمبدأ الميكيافيلي، الغاية تبرر الوسيلة، وهو مبدأ غير مسيحي .
هذا التدهور في شعبيته مقابل تقدم منافسه جو بايدن يتطلب تدخلا إلهيا، وهذا دفعه ان يذهب إلى الكنيسة في 1-6، حاملا الإنجيل ليرسل رسالة أنه إختيار إلهي ، وأنه دائما الفائز والقادر على خروج أميركا من أزمتها ،وحيث أنه بنى أعظم اقتصاد في سنواته ألأولى فهو قادر على إعادة بنائه مرة ثانيه.
وكما ردد في تصريحاته “الله معنا”، و”الله في صفنا”. وهو “القادم الثاني”، وهو “الاختيار الألهي” ، فهو هنا يحاول أن يجمع بين التقوى والوطنية، وانه ألأكثر حرصا على حماية المصالح ألأميركية العليا.
ترامب ليس الرئيس الوحيد الذي لجأ إلى الدين كمنقذ له ودعما لآرائه ورغباته السياسيه فقد سبقه نابليون بونابرت والرئيس فلاديمير بوتين الذي استخدم الدين ووظف الكنيسة ألأرثوذكسيه ، ورئيس وزراء الهند مودي الذيوظف الهندوسية، وملالى إيران خامنئى وتوظيف المعتقد الشيعي ، ونتانياهو واليهودية، لكن النموذج ألأكثر قربا للرئيس ترامب الرئيس بوش الأبن، الذى فاز في انتخابات عام 2000على الرغم من ان الديموقراطيين في عهد كلينتون حققوا إنجازات كبيرة، ولإجابة أن هذه الإنجازات لم تشفع لهم ، وأعطوا أصواتهم للشخص الذى أستطاع أن يحول الأنظار باتجاه الخلاف القائم حول أخلاقيات الحكم.
والفضل يعزى لأصوات الناخبين في الولايات الجنوبية والتي تعرف بحزام الكتاب المقدس، التي أعطت أصواتها لبوش. ورغم تراجع الاقتصاد في ولايته الثانية فقد فاز بولاية ثانيه, والسبب تمسكه بالدين وأنه المخلص والتزامه بأجندة ألأصولية المسيحية، ويظهر هذا في دعمه المطلق لإسرائيل، وانه يجب أن تفوز إسرائيل في كل حروبها والمساهمة في بناء مملكة الله في فلسطين ويسرعوا بعودة المسيح.
ولفهم لماذا حمل ترامب الإنجيل نذكر أن جماعات اليبوريتانيين البروتستنانت عندما هاجرت لأمريكا سمت هجرتها حجا، وأعتبروا أنفسهم حجاجا. وعندما نزلوا ولاية ماساشوستس عام 1620 أستولوا على أراضى الهنود الحمر وقتلوهم مستندين إلى نصوص الإنجيل. وقدموا أميركا على أنها أمة في وجه العالم كما يحاول ان يفعل ترامب اليوم يقدم أميركا على انها تقف أمام العالم وحدها. وأنها ألأمةالمخلص، وجعلوا الأصولية مرادفه للوطنية، واليوم يشكلون قاعدة كبيرة تزيد عن ستين مليون نسمة، ولديهم شبكة كبيرة من الإعلام والصحافة ومن العلاقات مع المتنفذين من السياسيين.
ولذلك بات صوتهم المرجح لنجاح أي مرشح، وكل المرشحين يلجأون للدين لدعم مواقفهم، الرئيس فرانكلين روزفلت كان يتلو نصوصا من الإنجيل في خطبه السياسية لدعم سياساته الليبرالية، والرئيس أيزنهاور دعم ألأجنده المحافظه، لتوحيد ألأميركيين ضد الاتحاد السوفيتى الكافر في الحرب الباردة، وترأس عام 1935 صلاة قومية، وتمسكه بعبارة “تحت الله وأمة واحدة”، وقوله “في الله نثق”.
وبعدذلك سار كل الرؤساء المرشحين جمهوريين وديموقراطيين على نفس خطى سابقيهم في التمسك بالدين وتوظيفه سياسيا. الرئيس ترامب ينتمى للمعسكر ألأخير ويبدى إعجابه بالرئيس أيزنهاور لكن مع التركيز على شعار أنا أولا وثانيا، وبدونه ستخسر أميركا وتنهار، فهو المخلص والمنقذ. وأنتخبه المسيحيون في انتخابات 2016 رغم أنه ألأبعد عن معتقداتهم لكنه ألأكثر قدرة على تحقيق مصالحهم وتلبية مطالبهم.
المسيحيون المحافظون وجدوا في ترامب شرا لا بد منه، وأنه سيفعل كل شيء من أجلهم، ويقدم نفسه على أنه الرئيس ألأكثر إستجابة لمطالبهم، وهو يدعوهم اليوم للعودة ثانية لدعمه ومساندته، والقرارات التي اتخذها بنقل السفارة الأمريكية للقدس والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومنح إسرائيل الضوء الأخضر لضم كل ألأراضى الفلسطينية يأتي في سياق المعتقد المسيحي بالإسراع بعودة المسيح وذلك بتجميع كل اليهود في “يهودا والسامرة”.
ورغم حمله ألإنجيل ، إلا ان موقف الإنجيليين مرتبط بالموقف العام للرأى العام ألأميركى وهذا ظهر في تصريحات العديد من قادتهم الذين أعترضوا على استخدام القوة المسلحة لكبح وإجهاض الاحتجاجات، وكان أقسى رد من بات روبرتسون الإعلامى البارز الذى قال “عليك أن لا تفعل ذلك”، ودعوة المجلة الإنجيلية اليوم بإزالة ترامب من المنصب.
لكنهم في الوقت ذاته يخشون من ان تكون خسائرهم أكبر من عدم دعمه. ويدرك الرئيس ترامب ذلك، وهو ما يخلق حالة من الزواج غير الشرعيى بين ألأصولية المسيحية والرئيس ترامب، فهو شر لا بد منه لهم وهم من سيعيدونه للرئاسة. ولكن الرئيس ترامب ليفوز يريد تدخلا إلهيا، اكثر من تأييد ألأمريكييين، وكما قال جورج ميتشيل زعيم ألأغلبية في مجلس النواب السابق: رغم انه يسأل بانتظام أن يفعل ذلك، فإن الله لا ينحاز إلى السياسة ألأميركية.
ويبقى الصوت الذى يمثله الإنجيليون هو الحاسم في فوز الرئيس ترامب، والذى ما يلوح لهم أن لديه الكثير الذى يمكن أن يقدمه لهم ولإسرائيل. ولا شك أن للدين دور كبير في التاثير على السلوك السياسى للمواطن العادي وعلى الفكر الإستراتيجي ألأميركي، رغم أن الدستور ألأمريكى يفصل بين الدين والسياسه، ويعتبر أمريكا دولة علمانية ، الا انه لا يزال للدين وللجمعيات الدينية دور حاسم في التأثير على القضايا السياسية ألأمريكية، وحيث أن الرئيس هو الذيويجسد كل السياسة ألأميركية وبيده سلطات واسعة فهو ألأكثر تأثيرا لهذه الجماعات، وحيث ان منصب الرئاسة هو الجائزة الكبرى وحلم كل رئيس ان يفوز ويحكم لفترتين رئاسيتين فهو في الوقت ذاته ألأكثر إستجابة لصوت الجماعات الدينية الأصولية.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.