Netanyahu and bin Zayed Are Participating in Trump’s Campaign Yet Again

<--

لا يقلّ قلق بنيامين نتنياهو ومحمد بن زايد على ما ستتمخض عنه الانتخابات الأمريكية القادمة عن قلق أفراد إدارة ترامب وعائلته (والجماعتان الأخيرتان، الإدارة والعائلة، متقاطعتان إلى حد كبير كما هو معلوم، بحيث رأى بعض الساخرين العرب في ذلك «تعريباً» لحكم الولايات المتحدة!). فقد ربط الرجلان مصيرهما بمصير ترامب إلى حد أنهما باتا يخشيان أن تكون لخسارة هذا الأخير في الانتخابات القادمة انعكاسات سلبية خطيرة عليهما. والحال أنهما لعبا دوراً مباشراً في دعم وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الانتخابات السابقة.

فقد تصرّف نتنياهو طوال عهدي باراك أوباما الرئاسيين وكأنه عضو في الحزب الجمهوري المعارض، ثم دعم حملة ترامب بقدر مستطاعه جاهداً لإقناع قسم من اليهود الأمريكيين بالتصويت لهذا الأخير، علماً بأن غالبيتهم الواسعة تؤيد الحزب الديمقراطي. أما متولّي العهد الإماراتي، فكلّما مرّ الزمن ازداد معه انكشاف الدور الذي لعبه سفيره في واشنطن، يوسف العتيبة، في التواطؤ مع حملة ترامب. وقد كشف التقرير الضخم الذي أعدّته لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأمريكي، والذي تمّ نشره قبل أيام، عن مدى التواطؤ بين حملة ترامب ودولة إسرائيل والإمارات وروسيا في المرحلة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016.

نجح رهان نتنياهو وبن زايد في ذلك العام: فقد لبّى ترامب رغباتهما وبتفوّق! خصّص أول زياراته الرئاسية إلى الخارج لدعم ضغط بن زايد على الملك السعودي ومتولّي عهده من أجل شنّ حملة شعواء على قطر في محاولة لإجبارها على تغيير سياساتها، وفي المقام الأول وقف مساندتها للإخوان المسلمين الذين يرى فيهم بن زايد ألدّ أعدائه. أما في الملف الصهيوني، فقد كان سخاء ترامب طبيعياً إذ إن «الصهاينة المسيحيين» أي أوساط الطائفة الإنجيلية التي ترى أن إعادة قيام دولة يهودية في فلسطين إنما تشكّل تمهيداً لا بدّ منه لتحقيق المجيء الثاني للمسيح (وعندها، في اعتقادهم، سيذهب إلى جهنم كلّ من لم يعتنق المسيحية من اليهود!).

ومن المعلوم أن للأوساط المذكورة ممثليْن بارزيْن في إدارة ترامب، هما نائبه مايك بِنس ووزير خارجيته مايك بومبيو. وقد حقّق ترامب مطلبين صهيونيين رئيسيين خلال عهده، أولهما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وثانيهما التأييد الرسمي لضمّ الأراضي التي احتلتها الدولة الصهيونية في حرب 1967، وقد بدأ بهضبة الجولان وانتهى بذاك القسم الكبير من الضفة الغربية الذي تنصّ على ضمّه الرسمي إلى الدولة الصهيونية «صفقة القرن» التي أعدّها صهر ترامب، جاريد كوشنير.

غير أن رغبة نتنياهو في إعلان الضمّ قبل الانتخابات الأمريكية قد باءت بالفشل بنتيجة تضافر جملة عوامل معاكسة، وعلى الأخص التحذيرات التي واجهته من شتى المصادر: داخلية إسرائيلية، وداخلية أمريكية، وعربية، وأوروبية. وقد تبيّن له أنه لن يستطيع الإقدام على تنفيذ «الصفقة» في هذه الظروف، حتى ولو تصوّرها دائماً كمبادرة من طرف واحد سيراً على نهج اليمين الصهيوني الذي طالما نبذ فكرة الاتفاق مع قادة فلسطينيين، بمن فيهم محمود عبّاس، أكثرهم استعداداً للمساومة. فبات مصير الضمّ الرسمي لأراضي الضفة الغربية مرهوناً بإعادة انتخاب ترامب.

وقد امتعض هذا الأخير من إخفاقه في تحقيق «صفقة القرن» التي وعد بها، وهو صاحب كتاب عنوانه «فنّ الصفقات» (ويبدو أنه لم يكن حتى مؤلفه، بل استأجر من يكتبه له!). ذلك أن الصفقة الصهيونية كانت أكبر إنجاز في السياسة الخارجية عوّل ترامب على تحقيقه للتبجّح به في حملته الثانية، فضلاً عن صفقته مع حاكم كوريا الشمالية القراقوشي. ولمّا كانت هذه الأخيرة قد فشلت فشلاً ذريعاً، بات ترامب، وقد تعثّرت «صفقة القرن» بدورها، بحاجة ماسّة إلى تحقيق «إنجاز» يغطّي به على إخفاقه ويضيفه إلى جملة «الإنجازات العظيمة» التي حقّقها، وهي دائماً الأهم في التاريخ الأمريكي، إن لم تكن الأهم في تاريخ البشرية، جرياً وراء التواضع المعهود لدى الرئيس الأمريكي.

وقد وجد بومبيو حلّاً للمعضلة، في مسرحية «تطبيع» العلاقات بين الإمارات المتحدة والدولة الصهيونية، التي لم يفت أي مراقب جدّي أن الغرض منها ليس سوى خدمة حملة ترامب الرئاسية بمساهمة نتنياهو وبن زايد. وليس سرّاً على أحد أن العلاقات قائمة بين الدولتين منذ مدة طويلة، وكلاهما «أسبرطة صغيرة» تابعة للأسبرطة الكبيرة الأمريكية. هذا وبينما نكتب هذه السطور، تم الإعلان عن أن بومبيو سوف يدلو مساء الثلاثاء بدلوه في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وهو محطة رئيسية في حملة ترامب، من خلال كلمة سجّلها في القدس بالذات لدغدغة مشاعر أمثاله من «الصهاينة المسيحيين». ولا شكّ في أنه سوف يتبجّح بكلمته على الطريقة الترامبية بأن «تطبيع» العلاقات بين الإمارات ودولة إسرائيل إنما هو أهم حدث شهدته العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني منذ اتفاقية أوسلو/واشنطن في عام 1993. وهي مبالغة ما كان بوسع أبو الطيّب المتنبّي نفسه، لو عاد إلى الحياة أجيراً لدى سيف الدولة الإماراتي، أن يرتكب مثلها.

About this publication