الاحتفاظ بالهيمنة الأمريكية.. شعار ملح تفرضه الظروف الدولية الراهنة، على الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ظل العديد من المعطيات، أبرزها صعود قوى دولية كبيرة تمكنت في السنوات الماضية، من فرض نفسها عللى الساحة العالمية، رغم أنف واشنطن، سواء من حيث ثقلها السياسى أو الاقتصادى، مما فتح المجال أمامها للقيام بدور المعارضة الشرسة للقيادة الأمريكية، أو حتى عبر دورها البارز في معالجة الأزمات الدولية، لتنطلق من نجاحها الكبير في الداخل، إلى القيام بدور أكبر في محيطيها الدولى والإقليمى، وهو ما يبدو في الصعود الصينى الكبير من رحم أزمة “كورونا”، التي فتحت الباب على مصراعيه أمام بكين لتقدم نفسها كشريك مهم في النظام العالمى.
ولعل النجاح الصينى الكبير في إثبات وجودها، تجسد في العديد من الدوائر، أولها التعامل مع الداخل، عبر فرض قبضتها لإنهاء الأزمات التي حاول منافسوها الدوليين تأجيجها، ثم دائرتها الإقليمية، عبر تقديم نفسها كشريك موثوق به، في محيطها الآسيوى، يمكنه تقديم نفسه كبديل لحالة التخلي الأمريكي عن الحلفاء، وهو ما يبدو في التطور الكبير الذى شهدته العلاقة بين بكين وحلفاء أمريكا الرئيسيين في آسيا، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فرض رسوم جمركية على الواردات القادمة منهما، لتنطلق بعد ذلك إلى العالمية، عبر الدور الكبير في دعم الدول المنكوبة جراء كورونا، سواء في دول العالم النامى، أو حتى دول أوروبا الغربية التي لم تسعفها إمكاناتها المادية في احتواء الأزمة وتداعياتها سريعا.
وهنا يكمن النجاح الصينى الكبير في فرض نفوذها على العالم، في قدرتها على الخروج من دائرة إلى دائرة أوسع، استطاعت في كل منها إثبات نجاحها الكبير، لتصبح العلاقة مع دول الجوار أحد أولويات الصعود والمنافسة على قمة النظام الدولى في المرحلة المقبلة، وهو ما يعنى أن ثمة تحالفات مرتقبة قد تدشنها الحكومة الصينية، لمواصلة قصة الصعود المنشود في المستقبل.
ولعل الجوار الروسى يمثل أولوية قصوى لبكين، في ضوء معطيات مهمة، أولها البعد الجغرافى، باعتبارهما دولتى جوار، بالإضافة إلى كونهما “عدو مشترك” للولايات المتحدة، وإن اختلفت المسميات بين المنافسة والخصومة، حيث تحمل السياسات الأمريكية في نهاية المطاف، هدفا واحدا وهو إقصاء الطامحين لمزاحمتها على قمة النظام العالمى، سواء عبر سياسات اقتصادية، كما حدث في عهد ترامب، تجاه بكين، بإجراءاته التجارية، والتي كادت أن تصل إلى حد الحرب التجارية بين البلدين، ثم تطور عبر الدخول الأمريكي على خط الأزمة في هونج كونج وتايوان، أو عبر تدخلات سياسية أو إثارة فوضى في الداخل الروسى أو محيطه الإقليمى، كما حدث مرات عدة في إدارات سابقة، أبرزها خلال حقبة أوباما، وربما يشهد تكرارا في الفترة الحالية.
وهنا تبدو الحاجة ملحة إلى تحالف أقوى يجمع الصين وروسيا، يحمل مظلة رسمية، على غرار الناتو، يساهم بصورة كبيرة في مجابهة محاولات واشنطن المستقبلية لاستهدافهما، في ظل علاقات قوية وتوافق كبير، بين البلدين في العديد من الأصعدة، سواء في الشرق الأوسط أو آسيا، بالإضافة إلى نجاحهما معا في اقتحام أوروبا الغربية في ضوء التوتر بين دولها والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب.
العلاقة مع الجوار تعد ميزة نسبية للصين وروسيا، ربما لا تتمتع بها واشنطن في المرحلة الراهنة، جراء التباعد مع قوى إقليمية مهمة في منطقتها، على غرار كندا، والتي انزعجت بصورة كبيرة جراء مبادرة “صنع في أمريكا” والتي أطلقها بايدن، بالإضافة إلى المكسيك على خلفية قضية الهجرة، والتي لم يقدم لها الرئيس الأمريكي الجديد علاج يذكر منذ صعوده إلى عرش البيت الأبيض، إلا أن موسكو وبكين ربما في حاجة إلى مظلة رسمية تجمعان فيها العديد من الحلفاء، سواء في العالم النامى أو المتقدم، لتصبح منطلقا مهما لمعركتهما القادمة مع الولايات المتحدة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.