America and Syrian Oil

<--

مرة أخرى تعود قضية النفط السوري إلى الواجهة، ولكن بصورة مغايرة عما كان عليه الحال في عهد إدارة ترامب، مع إعلان «البنتاجون» أن حماية النفط لم تعد هدفا للقوات الأمريكية في سوريا، مشفوعاً بتحذير مبطن إلى روسيا من زيادة عدد الحوادث غير الآمنة واستمرار تحدي الوجود الأمريكي في سوريا.

تعديل الأهداف الأمريكية في سوريا، وحصرها بمهمة محاربة تنظيم «داعش» فقط، والتخلي عن مساعدة الشركات الخاصة التي تسعى لاستغلال موارد النفط السورية أو موظفيها أو وكلائها، كما أعلن «البنتاجون»، لا يعبر عن تغيير استراتيجي في السياسية الأمريكية بقدر ما يهدف إلى إبعاد الجيش الأمريكي عن أية شبهات قد تستخدم لتشويه صورته أو التشكيك في طبيعة المهمة التي يقوم بها، ومن ذلك الاستفادة مالياً من النفط السوري، وبقاؤه في سوريا بعد هزيمة تنظيم «داعش» في مارس/ آذار عام 2019، وهي الصورة التي ظهر عليها بعدما تراجع ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا في أواخر العام ذاته، معللاً قراره بأنه سيبقي على بضع مئات من العسكريين «حيث هناك نفط». ومع أن الجيش الأمريكي لم يسبق له أن انخرط بشكل مباشر في استغلال النفط السوري، إلا أن إدارة ترامب أضفت ظلالاً كثيفة من الريبة والشكوك عندما سمحت لشركات أمريكية خاصة باستغلال هذا النفط تحت حمايتها، وتوجت ذلك في عام 2020 بإبرام اتّفاق بين شركة النفط الأميركية «دلتا كريسنت إنيرجي» والإدارة الذاتية الكردية يتيح لقوات سوريا الديموقراطية الإفلات من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الحكومة المركزية في دمشق.

والذريعة المستخدمة دائماً هي منع وصول هذا النفط الى تنظيم «داعش»، وتمكين الإدارة الذاتية من تمويل جهودها في إعادة الإعمار، بينما يكمن الهدف الحقيقي في عدم تمكين الحكومة المركزية في دمشق من السيطرة على أراضيها وثرواتها النفطية، رغم انهيار الوضع الاقتصادي بسبب الحصار والعقوبات لإبقائها دائماً تحت الضغط.

بهذا المعنى، فإن تغيير لهجة الإدارة الديمقراطية عن سابقتها الجمهورية بشأن الأهداف الأمريكية في سوريا لا يعني تحولاً استراتيجياً، وإنما يعكس رؤية الإدارة الجديدة لمستقبل العلاقات مع روسيا، إذ حمل هذا التغيير تحذيرات أمريكية إلى موسكو من أن سعيها لتواجد عسكري دائم في سوريا وتعزيز هويتها كقوة عظمى عالمية، يمثل تحدياً لمواقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وحذر «البنتاجون» من الارتفاع الخطير للحوادث بين القوات الأمريكية والروسية، والاتصالات «غير المرخصة» وغير الآمنة للروس مع قوات التحالف، متهماً روسيا بأنها تتدخل بشكل دوري في حملة التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش».

وبالمحصلة، فإن لهجة الإدارة الديمقراطية تظهر واقعاً سلبياً تماماً يقوم على أن روسيا «لم تكن طرفاً مساعداً»، بدلاً من التنسيق والتفاهمات التي كانت سائدة من قبل لمنع الصدام والإقلال من الحوادث. وهي أيضاً تتوقع مواصلة روسيا تحديها للوجود الأمريكي من خلال عرض نفسها كبديل للغرب، ومحاولة لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، وفقاً ل«البنتاجون».

About this publication