Washington and Regional Alliances

<--

واشنطن والتحالفات الإقليمية

يبدو الأمر محيراً في سؤالنا، إلى أي مدى تهدف أو تقبل واشنطن بوجود حلف إقليمي في الشرق الأوسط يعمل على استقرار المنطقة، ويدفع عجلة التنمية الشاملة والانفتاح الثقافي بين دولهِ؟ ففي فترتنا المعاصرة تنفرد منطقة الشرق الأوسط في عوامل وتحديات تساعد على وجود تكتل من دول المنطقة، فمع عامل الجغرافيا والبعد التاريخي والثقافي ونهاية الحرب الباردة، يأتي عامل الصراعات الدينية والقومية المتضاربة مع سيادة الدول، وتزايد عدد الدول الفاشلة، والحاجة إلى تنمية شاملة وقوة صناعية في منطقة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، إلى جانب قبول إسرائيل ضمن العديد من الدول العربية مع الدفع بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فهذه العوامل كفيلة بتشكيل حلف إقليمي، بل منطقة اقتصادية إقليمية مهمة على المستوى الدولي، خاصةً في إطار ما تفرزه العولمة من حاجة إلى تكتلات إقليمية للحفاظ على مصالح وتطور الدول.

عند تفحص العقل الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط نجد أهدافه الرئيسة تدور حول أمن إسرائيل والمنطقة وإتمام عملية السلام في الشرق الأوسط، والنفاذ إلى النفط، والحيلولة من دون بروز مهيمن إقليمي عدواني، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي بواسطة الاستقرار الداخلي.

ومن المفترض بأن هذه الأهداف تقود إلى دعم تشكيل تحالف يضم دولاً عربية وغير عربية كإسرائيل وتركيا وباكستان، خاصةً في سياق تطور العلاقات العربية- الإسرائيلية وتحسن العلاقات التركية العربية. ولن أبالغ في القول من منظور تحليلي، بأن واشنطن مترددة وربما غير راضية عن تطور العلاقات العربية الإسرائيلية نحو تشكيل تحالف إقليمي يمهد لجعل المنطقة في تكتل أمني واقتصادي ومعرفي وتنموي، والذي بدورهِ سيكون قطباً مهماً في النظام الدولي، حتى وإنْ كان تحت الريادة الأميركية. فوجود هذا التحالف والتكتل في الشرق الأوسط يحتاج إلى الولايات المتحدة، لما لها من قدرة على التأثير على دول المنطقة نحو التحالف بعيداً عن السياسة القُطرية الضيقة، وتخفيف التوجس على السيادة كما فعلت واشنطن مع أوروبا الغربية، حيث يعود لها الفضل في إعمار أوروبا وإيجاد ورعاية الحلف الأطلسي، ولكن في الحالة الأوروبية كان الدعم الأميركي يهدف لخلق توازن قوى مع الاتحاد السوفييتي مع تزايد بروز الهوية الليبرالية الديمقراطية الأوروبية.

ثمة هواجس في العقل الاستراتيجي الأميركي من فكرة انتشار التحالفات والتكتلات الإقليمية، وتلك الهواجس نابعة من تقلص الحاجة الأمنية والسياسية والاقتصادية لدول منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق. وربما انتشار التحالفات والتكتلات الإقليمية في النظام الدولي سيغير من طبيعة العلاقات الدولية إلى حالة تشبه مرحلة الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي، حيث سيصبح النظام الدولي مقسماً إلى مناطق وتكتلات إقليمية تعكس خصائص ومصالح دول في إطار تجمع جغرافي وحضاري وثقافي متجاوزاً للخلافات بين الدول المنتمية إلى نظام إقليمي معين.

في الخاتمة، لا بد من إعادة قراءة منطقة الشرق الأوسط، وما تحمله من تحديات، وما يكمن وراء سياسات الدول الكبرى والقوية فيها؟، لكي ندرك بأن مرحلة انتهاء كون إسرائيل خطراً على الأمن العربي، وقبولها في نظام إقليمي عربي شرق أوسطي، ربما لا يعني بالضرورة أنه سيقود إلى بناء تحالف وتكتل إقليمي أمني وتنموي في المنطقة.

About this publication