مع بداية شهر آب من عام 1964 قام الرئيس الأميركي ليندون جونسون بارسال قوات أميركية إلى منطقة فيتنام للقضاء على هانوي عاصمة فيتنام الشمالية والشعب الفيتنامي، فبعث بـ180 ألفاً من القوات الأميركية أي ما يمكن أن يوازي مليون جندياً أميركياً في هذه الأوقات بلغة الحروب وموازين القوى بين فيتنام والولايات المتحدة الأميركية حتى في ذلك الوقت، وكانت الدول المجاورة لفيتنام معظمها متحالفة مع الولايات المتحدة وبعضها توجد فيه قواعد أميركية، وبرغم ذلك تمكن الفيتناميون بعد 11عاماً من الكفاح مدعومين من الحلفاء الروس والصينيين وشعوب العالم كلها، من الانتصار على الجيش الأميركي وإجباره على الفرار، بل إن كل وسائل الإعلام في ذلك الوقت نشرت صورة للنافذة التي فر منها بواسطة مروحية السفير الأميركي وطاقمه حين حلقت به من سطح السفارة بعد سقوط سايغون، قاعدة القوات الأميركية وحلفائها في فيتنام الجنوبية.
ومنذ الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 خدم في أفغانستان بموجب الأرقام الأميركية من الجنود الأميركيين على فترات مختلفة ما يقرب من مليونين خلال عشرين عاماً، وكان عدد القوات الدائمة الأميركية في السنوات الأولى ما يزيد على مائة ألف، إضافة إلى عدد الجنود الذين أرسلهم حلف الأطلسي وجنود ست دول أوروبية، وكان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قد أضاف 20 ألفاً من الجنود حين استلم الرئاسة الأميركية عام 2009.
في 17 نيسان الجاري نشر موقع مجلة «أنتي وور» الأميركية تحليلاً بقلم ميدييا بنجامين ونيكولاس ديفيس يعرضان فيه كيف أصبحت أفغانستان مقبرة للجنود الأميركيين ومعهم جنود حلف الأطلسي وست دول أوروبية أرسلت قوات إلى أفغانستان منذ غزوها عام 2001، واستشهدت المجلة بما قاله جو بايدين حين كان نائباً للرئيس وأعلن أنه «بعد مقتل بن لادن وانهيار قدرات القاعدة حان وقت إنهاء حرب أفغانستان للأبد»، ومع ذلك وعلى عادة الأكاذيب التي يكررها رؤساء الولايات المتحدة في تاريخ حروبهم هاهو بايدن يمدد وجود القوات الأميركية ستة أشهر وهو في منصب رئيس الولايات المتحدة، علماً أن الرئيس السابق ترامب كان قد ثبت موعد أيار المقبل موعداً نهائياً لسحب كل القوات الأميركية.
ولذلك يؤكد المحللان الأميركيان أن «ما لم يعترف به بايدن هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها وكل ما أنفقوه من أموال وما حشدوه من قوة في أفغانستان، لم يستطيعوا تصفية أعدائهم في أفغانستان وأصبح المناهضون للاحتلال يسيطرون على نصف البلاد ولا يهمهم وقف النار»، ويشير تحليلهما إلى أن الولايات المتحدة أنفقت «تريليونات من الدولارات وفقدت آلاف الجنود القتلى» إضافة إلى آلاف كثيرة من الجرحى، ولم تحقق أهدافها.
يبدو أن سياسة الحروب الأميركية التي لا تنتهي في هذا العالم بدأت تنتقل بعض أعراضها إلى نوع من استخدام وسائل العنف بين الأميركيين أنفسهم، وكانت عمليات القتل العشوائي التي ازدادت في الأشهر الماضية قد أشارت إلى نوع غير مألوف من الحروب الأهلية داخل هذه الولاية أو تلك، ففي 16 نيسان الجاري ظهرت على شاشة أكبر القنوات الأميركية التلفزيونية السياسية الـ«سي إن إن» صورة بيانية لوجود عمليات إطلاق نيران في أكثر من 13 مكان في عدد من الولايات خلال أيام وكان أبرزها في مجمع فيديكس ومقتل ثمانية مواطنين نتيجة إطلاق نار من أحد الموظفين على الجمهور.
بالمقابل يرى الكثيرون أن العنف العنصري بدأت تزداد مظاهره بين الأفراد والمجموعات بدوافع عنصرية صارخة وخاصة بين رجال الشرطة والمواطنين الأميركيين من أصل أفريقي أو أميركي جنوبي من دون أن تلوح آفاق لحلول باتة ونهائية.
من جانب آخر يدل تاريخ الحروب الأميركية على أن 90 بالمئة من الرؤساء الأميركيين شنوا وبادروا إلى حروب منذ منتصف القرن الماضي حتى الآن، وكأن جدول عمل الحروب ضد شعوب العالم هو من أولوية أي رئيس أميركي سواء أكانت الحروب باستخدام القوات الأميركية أو الحصار والعقوبات الاقتصادية أو باستخدام وكلاء تقدم لهم واشنطن الدعم العلني، ولا أحد يبالغ إذا ما أطلق على الولايات المتحدة صانعة أكثر حروب العالم إن لم يكن 90 بالمئة منها ولكنها في معظم هذه الحروب لم تستطع كسر إرادة الشعوب وقادتهم المدافعين عن أوطانهم واستقلالهم وهذا ما يثبته سجل هزائم الولايات المتحدة وآخر هزائمهم في سورية والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان في هذه الأوقات.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.