Rushed Steps

<--

شهدت فيينا حتى الآن ثلاث جولات من التفاوض الذي لا يزال بالإنابة بين الأميركيين والإيرانيين للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع في تموز 2015 والذي ألغاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أيار من عام 2018 أو آخر معدل له كأن يضم الاتفاق الجديد تفاهمات حول ملفين اثنين أولهما البرنامج الصاروخي وثانيهما الدور الإقليمي للإيرانيين.

ويوم الجمعة الماضي أعلن في فيينا عن حدوث اختراق لربما يمكن البناء عليه ويشكل أملاً لدى المتفاوضين، بإمكان أن يتسع هذا الأخير في غضون الجولة الرابعة التي جرى الاتفاق على انعقادها يوم الجمعة المقبل، حيث من الواضح رغبة الطرفين، وجديتهما، في التوصل إلى اتفاق مما يمكن تلمسه في عدم الوقوف عند محطات «العرقلة» التي ما انفكت تل أبيب تجهد نفسها في وضعها على مسار العربة، وأهمها كان باستهداف مفاعل «نطنز» حيث من المؤكد أن التقديرات الإسرائيلية كانت ترجح أن يؤدي ذلك الاستهداف إلى تفجير المفاوضات، أما آخرها، وربما أخطرها، فهو التسريب الصوتي لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي احتوى، فيما احتواه، قيام وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، الذي يعتبر مهندس اتفاق فيينا 2015، بنقل معلومات استخباراتية لنظيره الإيراني عن استهداف إسرائيل لمواقع إيرانية في سورية، وهذا الفعل سيتتابع، وإن بعد 6 سنوات، إبان زيارة وفد أمني إسرائيلي أخيراً إلى واشنطن برئاسة رئيس الإستخبارات الإسرائيلي يوسي كوهين الذي قال موقع «أكسيوس» يوم الأحد الماضي إن هذا الأخير التقى الرئيس الأميركي في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، أي بالتزامن مع الإعلان عن الاختراق الحاصل في فيينا سابق الذكر.

التفاؤل هنا حذر، وهو ما يقره مجمل الأطراف، نظرا لأن الوقت بات عاملاً حاسماً وهو يضيق بقدر يدعو إلى مخاوف من تعذر التوصل إلى الاتفاق المأمول ما قبل حزيران المقبل الذي سيشهد الانتخابات الإيرانية التي ستوصل للحكم الرئيس الثامن منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران شباط من عام 1979، حيث تشير الكثير من التقارير إلى تغليب وصول تيار «المحافظين» الصاعد نجمه في غضون السنوات السابقة على وقع العقوبات الغربية، إلى السلطة في طهران في تلك الانتخابات، وربما يمثل إعلان رستم قاسمي مساعد قائد فيلق القدس للشؤون الاقتصادية، القادم من رحم حرس الثورة، عن ترشحه رسمياً للانتخابات القادمة في 27 نيسان الماضي، نقول ربما يمثل ذلك مؤشراً إلى واقعية تلك الترجيحات وخصوصاً أن نسبة المؤيدين للحرس الثوري في البرلمان الإيراني تصل إلى 80 بالمئة من أعضائه، ما يشير إلى مزاج الشارع الذي أوصل هؤلاء إلى البرلمان.

هذا الوصول المحتمل للمحافظين، يمكن أن يؤدي إلى «تصلب» إيراني يسعى الغرب إلى تحاشيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فهؤلاء، أي المحافظون، يرون أن الغرب كثيراً ما كان يعمد إلى تشديد حصاره وعقوباته كلما لمس لينا في سياسات طهران، وهو ينكفئ، وفق الرؤية نفسها، كلما لمس صلابة لدى هذي الأخيرة، والرأي السابق يعتد باستخلاصات أفضت إليها التجربة الإيرانية، والتي من أبرزها إخفاق العقوبات الأميركية والغربية في إحداث انزياحات داخل إيران كان الرهان عليها لدى هؤلاء قد وصل حدود اليقين، الأمر الذي تكشف خطؤه وهو ما أقر به العديد من الساسة الغربيين، والأميركيين، في غضون الأشهر السابقة.

ما يدور في الكواليس، ومعه تموضعات إقليمية استباقية، يشير إلى أن المفاوضات وصلت إلى حدود وضع اللمسات الأخيرة، وربما سنسمع من فيينا قريباً الإعلان عن اتفاق جديد في غضون الأسابيع، إن لم يكن الأيام القليلة المقبلة، ومن الممكن تلمس ذلك في المواقف السعودية، شديدة الاهتمام بما يجري في كواليس فيينا، الأخيرة التي راحت تغير من لهجتها تجاه طهران وكذا تجاه «أنصار اللـه» في اليمن بشكل ملحوظ منذ بضعة أيام، الأمر الذي يعني توافر معلومات عند الرياض تشي بأن الأمور باتت محسومة لجهة سيرها باتجاه التوافق، وكذا يمكن تلمسه عبر مواقف تل أبيب التي ارتضت مؤخراً بتحييد العلاقة الأميركية الإسرائيلية عن أي توافق يمكن أن تصل إليه واشنطن مع طهران.

المنطقة برمتها على أعتاب معطى إستراتيجي سيغير الكثير من المعادلات، وسيفرض، من بين ما سيفرضه، حصول تغيير كبير في الرؤى والسياسات التي تنتهجها العديد من القوى الإقليمية والدولية تجاه العديد من الملفات، ومن الراجح أن الغموض الذي تنتهجه إدارة الرئيس جو بايدن تجاه الأزمة السورية، يعود في جزء منه، لحالة الترقب التي تعيشها واشنطن بانتظار الصورة التي سيجيء عليها الاتفاق الجديد الذي لربما يجري الإعلان عنه في أيار الجاري، الشهر الذي شهد قبل ثلاث سنوات توقيع ترامب على إلغاء اتفاق عام 2015.

About this publication