A Rare Admission from an American President

<--

بعد مرور مائة يوم على دخوله البيت الأبيض واستلامه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ألقى الرئيس جو بايدن خطابًا أمام الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب في 28 أبريل من العام الجاري، وفي هذا الخطاب الأول للكونجرس، ألقى بايدن الضوء على عدة قضايا رئيسة تهم الشعب الأمريكي من بينها انتشار فيروس كورونا على المستويين القومي والدولي وجهود حكومته في مكافحته والتصدي له، ثم حدد سياسته بالنسبة للعلاقة مع الصين والتي يريدها أن تكون منافسة شريفة بين الدولتين ولا يريدها أن تتحول إلى مواجهة وصراع محتدم يخرج منه الجميع خاسرًا، كما قدم برنامجه الطموح جدًا وهو إنفاق تريليونات من الدولارات على تحديث وتطوير البنية التحتية للولايات الأمريكية، حيث إن هذا البرنامج يضرب ثلاثة عصافير بحجرٍ واحد فقط. فهذا البرنامج يحرك مياه الاقتصاد الآسنة والراكدة منذ غزو فيروس كورونا للمجتمع البشري، ويخلق في الوقت نفسه الوظائف التي فُقدت بسبب وباء كورونا، كما أن هذا البرنامج يصب في مكافحة قضية العصر وهي التغير المناخي.

وفي خضم كلمته عرَّج بشيء من الإسهاب على أطول حربٍ تخوضها أمريكا، وهي غزو واحتلال أفغانستان منذ أكثر من عشرين عامًا، حيث وصف هذه الحرب الضروس بأنها حرب «متعددة الأجيال»، أي أن عدة أجيال من الأمريكيين شاركوا في هذه الحرب التي تكاد لا تنتهي من أجل محاربة الإرهابيين الذين ارتكبوا كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001.

كذلك بيَّن أمرًا مهمًّا جدًا وهو أن شبكات الإرهاب الدولي انتقلت حاليًا إلى خارج البلاد، كما حذَّر بأن جماعات تفوق العرق الأبيض تمثل تهديدًا أكبر من الجماعات الأجنبية، فقال الرئيس: «لا تخطئ. خلال العشرين سنة، الإرهابيين -الإرهاب ازداد في حجمه. التهديد انتقل إلى خارج أفغانستان»، كما أضاف قائلاً: «الذين يعملون في اللجان الاستخباراتية، لجنة العلاقات الخارجية، اللجان الدفاعية، أنتم تعلمون جيدًا، فعلينا أن نبقى يقظين أمام التهديدات للولايات المتحدة من أي مكان تأتي منها»، ثم ركز اهتمامه على التهديدات الإرهابية الداخلية، حيث قال: «نحن لن نتجاهل ما حددته وكالاتنا الاستخباراتية بالتهديد الإرهابي الأشد على أرضنا اليوم: جماعات تفوق العرق الأبيض تُعد إرهابًا، ولن نتجاهل هذا أيضًا».

فهذه التصريحات والاعترافات الواضحة التي لا لبس فيها، وغير المسبوقة، تؤكد أن الجماعات التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض تُعد تهديدًا إرهابيًا للداخل الأمريكي، ويفوق هذا التهديد كثيرًا الإرهاب من الجماعات التي تدَّعي الإسلام، كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وهذه الاعترافات تعد في تقديري نادرة من قبل رئيسٍ أمريكي، حيث إن الرئيس السابق ترامب كان يتجاهل كليًا تهديدات اليمين المسيحي المتطرف، من جماعات تفوق العرق الأبيض، ومن المليشيات اليمينية العنيفة المسلحة، والجماعات الأخرى، بل إنه في الوقت نفسه كان يشجع أنشطة هذه الجماعات العلنية العنصرية والمتطرفة. ومن أكثر هذه الأنشطة وضوحًا وقوة، تلك المسيرة التاريخية المشهورة التي اعتُبرت منعطف طريق للجماعات المسيحية العنيفة والمتشددة في النشر العلني لمعتقداتهم وسياساتهم البغيضة، والظهور العلني بعنصريتهم وتطرفهم دون حياء أو تردد أمام الناس، وهذه المسيرة نُظمت في 11 أغسطس 2017 في جامعة فيرجينيا في مدينة (Charlottesville) تحت شعار «وحدوا اليمين». فقد خرج هؤلاء الشباب من اليمين المسيحي المتطرف يعلنون أمام الملأ عن تشددهم، وعنصريتهم، وكرههم للآخرين، حيث رفعوا شعارات، ورددوا هتافات عنصرية خطيرة تهدد وحدة المجتمع الأمريكي، منها على سبيل المثال: «حياة البيض تهم»، ومنها «أنتم لن تستبدلونا»، ومنها أيضًا «اليهود لن يستبدلونا».

فمثل هذه الأنشطة كانت تَلْقى الدعم الكلي من الرئيس ترامب، وكان الدعم يتمثل في عدة أوجه منها عدم انتقاد مثل هذه الشعارات والمعتقدات، ومنها منع نشر أي تقارير رسمية من الأجهزة الحكومية الأمنية والاستخباراتية التي تشير إلى التهديدات التي تمثلها هذه الأجهزة للأمن القومي الأمريكي، أو في الأقل عندما تزيد عليه الضغوط من هذه الوكالات الأمنية ويواجه بالحقائق والإحصاءات الميدانية، كان يخفف لهجة هذه التقارير، ويحاول تغيير صياغتها وشدة كلماتها وتحويل محتواها من التركيز على هذه الجماعات إلى التركيز على جماعات اليسار (Antifa).

ولذلك شدد الرئيس بايدن على هذه الحقيقة المتمثلة في أن جماعات اليمين المسيحي المتطرف تُعتبر جماعات إرهابية، وتُمثل التهديد الأول للأمن القومي الأمريكي، ولذلك يجب كبح جماحها والتصدي لها. وهذه الحقيقة التي ذكرها بايدن في أول خطاب له، استندت على العديد من الوقائع الميدانية والتقارير الأمنية الجامعة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أفادت دراسة أجريت في الفترة من الأول من يناير 2020 إلى 31 أغسطس من العام نفسه، ونشرها مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية (Center for Strategic and International Studies) في العاصمة الأمريكية واشنطن في 22 أكتوبر 2020 تحت عنوان: «الحرب تأتي إلى بلادنا: بزوغ الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة»، بأن 67% من المؤامرات والهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في عام 2020، تقف وراءها جماعات عنصرية يمينية مسيحية تعتقد بتفوق العرق الأبيض، أو مجموعات يمينية مسلحة تؤمن بالتوجهات نفسها.

كذلك هناك التقرير الجماعي المشترك الصادر لأول مرة من «مكتب مدير المخابرات القومية» (Director of National Intelligence) في 17 مارس من العام الجاري تحت عنوان: «التهديد المتنامي من التطرف العنيف الداخلي». وتأتي مصداقية محتوى هذا التقرير أنه لم تكتبه وكالة أمنية أمريكية واحدة منفصلة عن الوكالات الأخرى، ولكنه نُشر كمجهود جماعي مشترك، حَمَل معه كافة وجهات النظر والآراء والتقييمات المختلفة من جميع الجهات المعنية، وبالتنسيق والتعاون مع الوزارات الحكومية كوزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي. ومن الوكالات الأمنية التي ساهمت في إعداد التقرير هي المركز القومي لمكافحة الإرهاب، ومكتب التحقيقات الفيدرالية، ووكالة المخابرات المركزية، ووكالة مخابرات الدفاع. وقد وَردتْ في الملخص التنفيذي للتقرير عدة نقاط جوهرية ومحورية في قضية التهديدات الناجمة عن «الإرهاب الداخلي» وأهم مصادره على المستوى الاتحادي، ومنها ما يلي:

أولاً: المتشددون المحليون العنيفون (Domestic Violent Extremists) يُشكلون «تهديدًا كبيرًا» لأمن واستقرار البلاد، وهؤلاء يمثلون عدة مجموعات منها الجماعات المسيحية اليمينية، وجماعات تفوق العرق الأبيض، والمليشيات المسلحة، إضافة إلى الجماعات المؤمنة بنظرية مؤامرة كُيو أنُون التي تنشر الكثير من المعلومات المضللة والكاذبة والغريبة، ومنها أخيرًا أن الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020 كانت مزورة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أضاف التقرير أن دوافع هذه المجموعات للقيام بالأعمال الإرهابية العنيفة قد تكون عنصرية، أو عرقية، أو تحدي الإجراءات الحكومية المتعلقة بفيروس كورونا، أو كُره الحكومة الاتحادية.

ثانيًا: جماعات تفوق العرق الأبيض الأمريكية لها اتصالات مباشرة مستمرة وتأثير متبادل مع مجموعات تؤمن بالفكر نفسه في دول أخرى، وبالتحديد في أوروبا وأستراليا، مثل الجماعات اليمينية المسيحية القومية، أو جماعات (النازيون الجدد)، كما أن بعض الأفراد الأمريكيين الذين ينتمون إلى الجماعات اليمينية قد سافر إلى أوروبا للاتصال والتواصل والتشاور مع هذه المجموعات الأوروبية.

ومن الوقائع الميدانية التي اعتمد عليها بايدن في كلمته حول تهديدات اليمين المسيحي المتطرف هي شهادة كريستوفر راي (Christopher Wray) رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي في جلسة الاستماع لمجلس الشيوخ في الأول من مارس من العام الحالي أمام اللجنة القضائية (Senate Judiciary Committee)، حيث قال بأن المكتب «يصنِّف احتجاز واقتحام مبنى الكابيتال بأنه إرهاب محلي، وليس له مكانه في ديمقراطيتنا، وتَحمُل مثل هذا العمل يُعد سخرية لحكم القانون في أمتنا»، كما أضاف أن «حادثة السادس من يناير ليست فردية، فمشكلة الإرهاب الداخلي تنمو وتتفاقم في كل أنحاء البلاد لفترة طويلة من الزمن ولن تزول في القريب العاجل»، واختتم شهادته قائلاً: «التهديدات ذات الأولوية هي من التطرف العنيف مثل (تنظيم الدولة الإسلامية) والتشدد العنيف الداخلي».

كذلك لم يتجاهل بايدن محاولة الانقلاب الفاشلة التي كَشَفَ النقاب عنها مكتب التحقيقات الفيدرالية في أكتوبر 2020 عندما خططت جماعة يمينية مسيحية مسلحة لخطف حاكمة ولاية ميشيجن وحاكم ولاية فيرجينيا، إضافة على شراء الأسلحة والمتفجرات للقيام بأعمال تخريبية منها تفجير الجسور.

وبعد هذه الاعترافات الرسمية من أعلى سلطة في الهرم الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية والمتعلقة بتغلغل الإرهاب المسيحي اليميني المتطرف في المجتمع الأمريكي، أدعو باقي الدول الغربية، مثل فرنسا، وهولندا، وألمانيا، وإنجلترا إلى التنبه إلى خطورة وتهديدات الإرهاب اليميني، سواء من الداخل أو من الخارج، حيث أكدت التقارير الاستخباراتية على وجود شبكة تواصل دولية تجمع وتنسق بين هذه الجماعات المسيحية الإرهابية.

About this publication