Crime and Racism in America

<--

الجريمة والعنصرية في أمريكا

ليست مصادفة أن يزداد الحديث عن ارتفاع معدلات الجريمة فى الولايات المتحدة بالتزامن

مع ارتفاع الأصوات المطالبة بتنظيم حق امتلاك السلاح. وليست مصادفة أيضًا أن تسلط الأضواء على تلك القضية فى الأجواء الراهنة بأمريكا، من صعود جماعات تفوق البيض وتزايد المطالب بمواجهة تلك العنصرية.

فلا يوجد فعليًا تزايد فى معدلات الجريمة بالمقارنة بالعام الأخير لحكم ترامب، ومع ذلك يشهد عهد ترامب ذلك التواتر المنظم فى طرح القضية. ومعدلات الجريمة لا تقتصر، بالمناسبة، على الارتفاع الحقيقى فى جرائم القتل الجماعى التى ناقشها مقال كاتبة السطور الأسبوع الماضى، وإنما تشمل الجرائم بأنواعها من سرقة وقتل واعتداء على الممتلكات وخلافه.

واستطلاعات الرأى العام التى سبقت ذلك الإصرار المنظم على طرح القضية تثبت أن قضية «الجريمة» ليست من القضايا التى قال أغلبية الأمريكيين إنها تحتل الأولوية لديهم. فهى مجرد واحدة من «قضايا مهمة» أخرى. لكن نتائج تلك الاستطلاعات ستختلف، بالضرورة، بعدما يحولها الإعلام إلى قضية «كبرى رئيسية».

وهى ليست مصادفة أن يتم التركيز على قضية الجريمة فى هذا التوقيت بالذات لأن السوابق التاريخية تكشف عن الأسباب والأهداف. ففى أوج حركة الحقوق المدنية فى الستينيات، كان قياديو الحركة، بمن فيهم مارتن لوثر كينج نفسه، بالنسبة لقطاع من النخب البيضاء بمثابة «خارجين على القانون ينبغى عقابهم». ومن هنا، ابتدع نيكسون تعبير «القانون والنظام العام»، فى حملته الانتخابية للرئاسة عام 1972، وهو تعبير شفرى فهمه البيض إذ حمل دلالات عنصرية مسكوتًا عنها.

والتراجع عن مكتسبات حركة الحقوق المدنية، الذى بدأ فور تحقيق أهم إنجازاتها التشريعية، أواخر الستينيات، وصل للذروة بوصول ريجان للحكم فى الثمانينيات. لكن فترة حكم ريجان ثم بوش الأب حملت أيضًا بعدًا انتخابيًا كان هدفه اتهام الديمقراطيين بأنهم «يتهاونون مع الجريمة»، وهو اتهام استخدمه بوش الأب بخطاب عنصرى فى حملته للرئاسة عام 1988، وفاز على أساسه. ومن هنا، تعهد بيل كلينتون، الديمقراطى، عام 1992 فى حملته ضد بوش بمكافحة الجريمة. وقتها لم تكن القضية على أولويات الأمريكيين إلى أن صنعتها الحملة الانتخابية والإعلام. ثم صدر فى عهد كلينتون واحد من أسوأ قوانين «مكافحة الجريمة»، حيث أسهم بقوة فى تكريس ظلم النظام الجنائى القضائى للسود على وجه التحديد.

واليوم، يُعاد إنتاج التاريخ نفسه! فالدلالات العنصرية لا تخطئها العين، مثلما كان الحال فى الستينيات وهدفها اليوم هو حركة السود ضد عنصرية الشرطة وعدم عدالة النظام الجنائى القضائى. وأهداف الجمهوريين الحزبية هى ذاتها التى كانت عليها فى الثمانينيات. أضف لذلك أن ارتفاع معدلات القتل العشوائى، التى تتطلب تنظيمًا لحق اقتناء السلاح، استنفرت القوى ذاتها من أجل وقف أى محاولات لمثل ذلك التنظيم. بعبارة أخرى، فالهدف اليوم هو خلق جو عام يُعادى محاولات تنظيم اقتناء السلاح، وإصلاح النظام الجنائى القضائى.

فقد كان أول من طرح حكاية «ارتفاع معدلات الجريمة»، دوائر يمينية ومرتبطة بالحزب الجمهورى، ثم رددها الإعلام لاحقًا بما فيها الصحف الكبرى. وتوجد دلائل تؤكد صحة ذلك التحليل. فالقوى التى تتحدث عن ارتفاع معدلات الجريمة اليوم هى نفسها التى تقول صراحة أو ضمنًا إن استخدام السلاح والعنف يوم اقتحام الكونجرس لم يكن يمثل جريمة تستحق محاكمة مرتكبيها! وزعيم تلك القوى، أى دونالد ترامب، كان أول رئيس منذ عهد نيكسون يستخدم علنًا تعبير «القانون والنظام العام» بما له من دلالات عنصرية فى السياق الأمريكى.

About this publication