An Overview of Relations between America and Western Europe

<--

عن العلاقة بين أميركا وأوروبا الغربية

محمد ياغي

أحداث متتالية تزعزع العلاقات بين أميركا ودول أوروبا الغربية وتنذر بقرب انفضاض الحلف الذي تشكل بينهما نهاية الحرب العالمية الثانية.

كانت البداية عندما فرض الرئيس الأميركي السابق ترامب على عدد من المنتجات الأوروبية تعرفة جمركية مثل الحديد والألمنيوم وطائرات الإيرباص والنبيذ وغيرها ضمن سياسة «أميركا أولاً» التي فضلت العلاقات التجارية الثنائية على الاتفاقات التجارية الدولية التي كانت أميركا قد وقعت عليها.

تبع ذلك مطالبات متكررة من ترامب لدول الناتو وهي في غالبيتها دول أوروبية بأن ترفع سقف إنفاقها على «الدفاع» إلى ما نسبته ٢٪ من ناتجها القومي. وهدد وزير الدفاع الأميركي الجنرال ماتياس حينها بأن الولايات المتحدة قد تخفف من التزاماتها الأمنية تجاه هذه الدول إن لم تفعل ما هو مطلوب منها.

ولزيادة الضغوط على دول أوروبا لرفع ميزانية دفاعها، أعلن ترامب عزمه تقليص الوجود العسكري في ألمانيا إلى الثلث، وهي خطوة أعلنها في نهاية ولايته وأجل القيام بها الرئيس بايدن.

الخلافات بين أوروبا الغربية وأميركا تصاعدت أكثر بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وهو اتفاق أيدته فرنسا وألمانيا، وبريطانيا، والصين، وروسيا.

أوروبا الغربية كانت تعتقد بأن تغيير الرئيس ترامب برئيس جديد سينهي خلافاتها مع أميركا.

كانت تعتقد بأن ترامب هو شيء طارئ في السياسات الأميركية: ما أن يذهب حتى يعود كل شيء بين الحليفين إلى ما كان عليه سابقا له.

المفاجأة الكبرى لأوروبا كانت صدمتها بالرئيس بايدن الذي يمارس نفس سياسات ترامب لكن بلغة أكثر دبلوماسية.

أوروبا الغربية اعتقدت أن أميركا – بايدن ستعود سريعا للاتفاق النووي مع إيران وسترفع العقوبات الاقتصادية عنها ما سيتيح لها سوقا جديدة لتجارتها واستثماراتها.

لكن بايدن لم يفعل ذلك إلى الآن، وربما لا يفعل ذلك مطلقا إذا شعر بأن العودة لهذا الاتفاق ستحرمه من تأييد الكونغرس لبرنامج الإنفاق على الاستثمار في الطاقة المتجددة والبنى التحتية داخل أميركا نفسها.

بايدن أيضا اتخذ قراره بالانسحاب من أفغانستان دون التنسيق مع دول أوروبا الغربية، وعندما طلبت ألمانيا وفرنسا وحتى بريطانيا تأجيل موعد الانسحاب لعدة أشهر حتى تتمكن هي من تأمين خروج قواتها وحلفائها الأفغان، رفض الرئيس بايدن ذلك.

الضربة الأكثر إيلاما من الولايات المتحدة تلقتها فرنسا.

بعد سنوات من توقيعها عقود تزويد أستراليا بغواصات بقيمة ٩٠ مليار دولار، قامت إدارة بايدن بالإعلان عن تحالف بينها وبين أستراليا وبريطانيا لمواجهة الصين.

الاتفاق الذي أُعلن عنه باسم الشراكة الأمنية الثلاثية «أوكاس» تضمن قيام أميركا وبريطانيا بتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية بدلا من قيام فرنسا بذلك.

هذه المفاجأة صدمت فرنسا لثلاثة أسباب: الأول أن المفاوضات بين أميركا وبريطانيا وأستراليا كانت تجري سراً منذ ١٨ شهرا (منذ عهد ترامب)، والثانية أنها خسرت صفقة تاريخية بالنسبة لها دون أدنى معلومات أن ذلك سيحدث، والثالثة هي استثناؤها من التحالف الذي تم الإعلان عنه رغم وجود أربع قواعد عسكرية لها في المحيطين الهندي والهادي لحماية الجزر التي تمتلكها وعلاقاتها التجارية مع مستعمراتها السابقة.

الضربة كانت موجعة لدرجة قيام فرنسا بسحب سفيريها من أميركا وأستراليا معتبرة ما جرى «طعنة في الظهر» بحسب تعبير سفيرها في واشنطن.

من الواضح أن أوروبا الغربية والولايات المتحدة على مفترق طرق.

الولايات المتحدة ترى في الصين الخطر الأكبر الذي يهددها وهذا يتطلب منها تعزيز علاقاتها مع أستراليا والهند واليابان وكوريا الجنوبية. كما أنها ترى أن علاقاتها الخاصة مع بريطانيا تخدمها في هذا الاتجاه خصوصا بعد أن غادرت الأخيرة دول الاتحاد الأوروبي.

الولايات المتحدة تريد من أوروبا الغربية أن تكون عونا لها في مواجهة الصين وتريد منها أن تكون أكثر حزما في علاقاتها مع روسيا.

لكن أوروبا الغربية لها مصالح متشابكة مع كل من الصين وروسيا. حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي هو الأكبر في العالم والمفاوضات بينهما متقدمة على طريق توقيع معاهدات تجارية استراتيجية.

وأوروبا الغربية ورغم انزعاجها من سلوك روسيا في أوكرانيا وسورية، إلا أنها ترى أن الصراع مع روسيا ليس في مصلحتها.

ألمانيا أكملت خط الغاز الشمالي بينها وبين روسيا، بمعنى أنها ستعتمد على روسيا في استيراد الغاز. وفرنسا متحالفة مع روسيا في الملف الليبي.

أوروبا التي خبرت حربين عالميتين على أرضها لا تريد قطعا حربا ثالثة تدمرها، وهي تريد حل خلافاتها مع روسيا بشأن أوكرانيا بالحوار وتبادل المصالح.

الصراع بين أميركا وأوروبا الغربية لن يفضي إلى تفكك الناتو قريبا، ولن يؤدي إلى اشتباك مفتوح بين الحليفين، ولكنه يشير إلى بداية تغيير في العلاقات الدولية ونافذة لبعض الدول للاستفادة من ذلك لتعزيز استقلالها وقدراتها وتغيير تحالفاتها بما يفيد مصالحها.

About this publication